الله، ولا أدعى إلى مقت النّاس، ولا أبعد من الفلاح، ولا أظهر نفورا عن التّوبة، ولا أقلّ دركا عند الحقيقة، ولا أنقض للطّبيعة، ولا أمنع من العلم، ولا أشدّ خلافا على الحلم، من التكبّر في غير موضعه، والتنبّل في غير كنهه.

وما ظنّك بشيء العجب شقيقه، والبذخ صديقه، والنّفج أليفه، والصّلف عقيده.

والبّذّاخ متزيد، والنّفّاج كذّاب، والمتكبّر ظالم، والمعجب صغير النّفس. وإذا اجتمعت هذه الخصال، وانتظمت هذه الخصال في قلب طال خرابه، واستغلق بابه.

وشرّ العيوب ما كان مضمّنا بعيوب، وشرّ الذنوب ما كان علّة لذنوب.

والكبر أوّل ذنب كان في السماوات والأرض، وأعظم جرم كان من الجنّ والإنس، وأشهر تعصّب كان في الثّقلين، وعنه لجّ إبليس في الطّغيان، وعتا على ربّ العالمين، وخطّأ ربّه في التّدبير، وتلقّى قوله بالرّد. ومن أجله استوجب السّخطة، وأخرج من الجنّة، وقيل له: فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها.

ولإفراطه في التّعظيم خرج إلى غاية القسوة، ولشدّة قسوته اعتزم على الإصرار، وتتايع في غاية الإفساد، ودعا إلى كلّ قبيح، وزيّن كل شرّ، وعن معصيته أخرج آدم من الجنّة، وشهر في كلّ أفق وأمّة، ومن أجله نصب العداوة لذرّيته، وتفرّغ من كل شيء إلّا من إهلاك نسله، فعادى من لا يرجوه ولا يخافه، ولا يضاهيه في نسب، ولا يشاكله في صناعة، وعن ذلك قتل النّاس بعضهم بعضا، وظلم القويّ الضّعيف، ومن أجله أهلك الله الأمم بالمسخ والرّجف، وبالخسف وبالطّوفان، والرّيح العقيم، وأدخلهم النّار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015