الحلم، إلّا بعد طول تجرّع للغيظ، ومقاساة للصّبر. وقد كان معنّى القلب دهره، ومكدود النّفس عمره، والحرب سجال بينه وبين الحلم، ودول بينه وبين الكظم. فلمّا انقادت له العشيرة، وسمحت له بالطّاعة، ووثق بظهور القدرة خلاف المعجزة سهل عليه الصّبر، وغمر بعلوّه دواعي الجزع، بطلت المجاذبة، وذهبت المساجلة.
والذي كان دعاه إلى تكلّف الحلم في بدء أمره وإلى احتمال المكروه في أوّل شأنه، الأمل في الرّياسة، والطّمع في السيادة، ثمّ لم يتمّ له أمره، ولم يستحكم له عقده إلّا بعد ثلاثة أشياء: الاحتمال، ثم الاعتياد، ثم ظهور طاعة الرّجال.
ولولا خوف جميع المظلومين من أن يظنّ بهم العجز، والا يوجه احتمالهم الى الذل لزاحم السادة في الحلم رجال ليسوا في أنفسهم بدونهم، ولغمرهم بعض من ليس معه من أسبابهم.
فصل منه: ولا يكون المرء نبيلا حتى يكون نبيل الرّأي، نبيل اللّفظ، نبيل العقل، نبيل الخلق، نبيل المنظر، بعيد المذهب في التنزّه، طاهر الثّوب من الفحش، إن وافق ذلك عرقا صالحا، ومجدا تالدا.
فالخارجيّ قد يتنبت بنفسه، والنّابتيّ قد يخرج بطبعه. ولكلّ عزّ أول، وأوّل كلّ قديم حادث.
ومن حقوق النّبل أن تتواضع لمن هو دونك، وتنصف من هو مثلك، وتتنّبل على من هو فوقك.
فصل منه: وكان بعض الأشراف في زمان الأحنف، لا يحتقر أحدا،