ولا يتحرج لزائر، وكان يقول:
ثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل
فكان الأحنف ما يزداد إلّا علوّا، وكان ذلك الرجل لا يزداد إلّا تسفّلا.
وقد ذم الله تعالى المتكبّرين، ولعن المتجبّرين، وأجمعت الأمّة على عيبه، والبراءة منه، وحتّى سمّي المتكبّر تائها، كالذي يختبط في التّية بلا أمارة، ويتعسّف الأرض بلا علامة.
ولعلّ قائلا أن يقول: لو كان اسم المتكبّر قبيحا، ولو كان المتكبّر مذموما، لما وصف الله تعالى بهما نفسه، ولما نوّه بهما في التنزيل حين قال: الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
، ثم قال: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.
قلنا لهم: إنّ الإنسان المخلوق المسخّر، والضعيف الميسّر، لا يليق به إلّا التذلّل، ولا يجوز له إلّا التّواضع.
وكيف يليق الكبر بمن إن جاع صرع، وإن شبع طغى، وما يشبه الكبر بمن يأكل ويشرب، ويبول وينجو. وكيف يستحقّ الكبر ويستوجب العظمة من ينقصه النّصب، وتفسده الراحة؟.
فإذا كان الكبر لا يليق بالمخلوق فإنّما يليق بالخالق، وإنّما عاند الله تعالى بالكبر لتعدّيه طوره، ولجهله لقدره، وانتحاله ما لا يجوز إلّا لربّه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «العظمة رداء الله، فمن نازعه رداءه قصمه» .
فصل منه: والنبيل لا يتنبّل، كما أنّ الفصيح لا يتفصّح، لأنّ النّبيل يكفيه نبله عن التنبّل، والفصيح تغنيه فصاحته عن التفصّح. ولم يتزيّد أحد قطّ إلّا لنقص يجده في نفسه، ولا تطاول متطاول إلّا لوهن قد أحسّ به