وليس الذي يوجب لك الرّفعة أن تكون عند نفسك- دون أن يراك الناس- رفيعا، وتكون في الحقيقة وضيعا.

ومتى كنت من أهل النبل لم يضرّك التبذّل، ومتى لم تكن من أهله لم ينفعك التنبّل.

وليس النّبل كالرّزق، يكون مرزوقا الحرمان أليق به، ولا يكون نبيلا السّخافة أشبه به.

وكلّ شيء من أمر الدنيا قد يحظى به غير أهله، كما يحظى به أهله.

وما ظنّك بشيء المروءة خصلة من خصاله، وبعد الهمّة خلّة من خلاله، وبهاء المنظر سبب من أسبابه، وجزالة اللفظ شعبة من شعبه، والمقامات الكريمة طريق من طرقه.

فصل منه: واعلم أنّك متى لم تأخذ للنّبل أهبته، ولم تقم له أداته، وتأته من وجهه، وتفم بحقه، كنت مع العناء مبغضا، ومع التكلّف مستصلفا. ومن تبغّض فقد استهدف للشّتام، وتصدّى للملام.

فإن كان لا يحفل بالشّتم، ولا يجزع من الذّمّ، فعدّه ميّتا إن كان حيّا، وكلبا إن كان إنسانا.

وإن كان ممّن يكترث ويجزع، ويحسّ ويألم، فقد خسر الراحة والمحبّة، وربح النّصب والمذمّة.

وبعد، فالنّبل كلف بالمولّى عنه، شنف للمقبل عليه، لازق بمن رفضه، شديد النّفار ممّن طلبه.

[3- نبل السيد]

فصل منه: والسّيّد المطاع لم يسهل عليه الكظم، ولم يكن له كنف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015