المقلّدة، والأيمان المغلّظة، إنّهم له لحافظون، وهو شقيقهم وبضعة منهم.
فخالفوا العهود ووثبوا عليه بالظلم والقوة، وألقوة في غيابة الجبّ، وجاءوا على قميصه بدم كذب، فبظلمهم يوسف ظلموا أباهم، طمعا أن يخلو لهم وجه ابيهم وينفردوا بحبه، وظنوا أن الايام تسليه، وحبه لهم من بعد غمه يلهيه، فاسالوا عبرته واحرقوا قلبه. وكيف تقر اعين المحسودين بعد يوسف وقد ملكه الله خزائن الارض بصبره على اذى حساده ومقابلته اياهم بالعفو والمكافأة وحسن العشرة والمؤاخاة، بعد امكانه منهم كما اتوه محتارين رفدهم عليه خائفين وهم له منكرون، فاحسن رفددهم، واكرم قراهم، فاقروا له لما عرفوه بالاذعان، وسألوه بعد ذلك الغفران، وخروا له سجدا لما وردوا عليه وفدا.
فإذا أحسست- رحمك الله- من صديقك بالحسد فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنّه أعون الأشياء لك على مسالمته. وحصّن سرّك منه تسلم من شرّه وعوائق ضرّه. وإيّاك والرغبة في مشاورته، ولا يغرنّك خدع ملقه، وبيان ذلقه، فإنّ ذلك من حبائل نفاقه.
فإن أردت أن تعرف آية مصداقه فأدنين إليه من يهينك عنده، ويذمّك بحضرته، فإنّه سيظهر من شأنه لك ما أنت به جاهل، ومن خلاف المودّة ما أنت عنه غافل. وهو ألحّ في حسده لك من الذّباب، وأسرع في تهريقك من السّيل إلى الحدور.
وما أحبّ أن تكون عن حاسدك غبيّا، وعن وهمك بما في ضميره نسيّا. إلّا أن تكون للذلّ محتملا، وعلى الدناءة مشتملا، ولأخلاق الكرام مجانبا، وعن محمود شيمهم ذاهبا، أو تكون بك إليه حاجة قد صيّرتك لسهام الرّماة هدفا، وعرضك لمن أراد غرضا.
وقد قيل على وجه الدّهر: «الحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها» .