هاشم، فما اتّسع قلبه لكتمانه، ولا صبر على اكتتامه، لمّا طالت في قلبه طائلته أظهره وأعلنه، مع صبره على المكاره، وحمله نفسه على حتفها، وقلة اكتراثه والتفاته لأحجار المجانيق التي [كانت] تمرّ عليه فتذهب بطائفة من قومه ما يلتفت إليها.

حدّثت بذلك عن عليّ بن مسهر عن الأعمش، عن صالح بن حبّاب، عن سعيد بن جبير قال: قدت ابن عباس حتّى أدخلته على ابن الزّبير، قال:

أنت الذي تؤنّبني؟ قال: نعم، لأنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس بمؤمن من بات شبعانا وجاره طاو» . فقال له ابن الزّبير: لمن قلت ذلك؟ إنّي لأكتم بغضكم أهل البيت مذ أربعين سنة. فحسر ابن عباس عن ذراعيه كأنّهما عسيبا نخل، ثم قال لابن الزبير: نعم فليبلغ ذاك منك، ما عرفتك.

ولقد أجلت الرأي ظهرا لبطن وفكرّت في جوابه لابن عباس أن أجد له معنى سوى الحسد فلم أجده، وكانت وخزة في قلبه فلم يبدها. وفروع بني هاشم حول الحرم باسقة، وعروق دوحاتهم بين أطباقها راسية، ومجالسهم من أعاليها عامرة، وبحورها بأرزاق العباد زاخرة، وأنجمها بالهدى زاهرة. فلمّا خلت البطحاء من صناديدها استقبله بما أكنّ في نفسه.

والحاسد لا يغفل عن فرصته إلى أن يأتي الموت على رمّته، وما استقبل ابن عبّاس بذلك إلّا لمّا رأى عمر قدّمه على أهل القدم، ونظر إليه وقد أطاف به أهل الحرم، فأوسعهم حكما، وثقبوا منه رأيا وفهما، وأشبعهم علما وحلما.

فصل منه: وكيف يصبر من استكنّ الحسد في قلبه على أمانيه. ولقد كان اخوة يوسف حلماء، وأجلّة علماء، ولدهم الأنبياء، فلم يغفلوا عمّا قدم في قلوبهم من الحسد ليوسف، حتّى أعطوا أباهم المواثيق المؤكّدة، والعهود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015