وربّما كان الحسود للمصطنع إليه المعروف أكفر له وأشدّ احتقادا، وأكثر تصغيرا له من أعدائه.
فصل منه: ومتى رأيت حاسدا يصوّب لك رأيا إن كنت مصيبا، أو يرشدك إلى صواب إن كنت مخطئا، أو أفصح لك بالخير في غيبته عنك أو قصّر من غيبته لك؟
فهو الكلب الكلب، والنّمر النّمر والسّمّ القشب، والفحل القطم، والسّيل العرم. إن ملك قتل وسبى، وإن ملك عصى وبغى، حياتك موته، وموتك عرسه وسروره. يصدّق عليك كلّ شاهد زور، ويكذّب فيك كلّ عدل مرضيّ. لا يحبّ من النّاس إلّا من يبغضك، ولا يبغض إلّا من يحبّك.
عدوّك بطانة وصديقك علانية.
وقلت: إنّك ربّما غلطت في أمره لما يظهر لك من برّه. ولو كنت تعرف الجليل من الرأي، والدقيق من المعنى، وكنت في مذاهبك فطنا نقابا، ولم تك في عيب من ظهر لك عيبه مرتابا، لا ستغنيت بالرّمز عن الإشارة، وبالإشارة عن الكلام، وبالسّرّ عن الجهر، وبالخفض عن الرفع، وبالاختصار عن التطويل، وبالجمل عن التفصيل، وأرحتنا من طلب التحصيل ولكني أخاف عليك أنّ قلبك لصديقك غير مستقيم، وأن ضمير قلبك له غير سليم، وإن رفعت القذى عن لحيته، وسوّيت عليه ثوبه فوق مركبه، وقبّلت صبيّه بحضرته، ولبست له ثوب الاستكانة عند رؤيته، واغتفرت له الزّلّة، واستحسنت كلّ ما يقبح من جهته، وصدّقته على كذبه، وأعنته على فجزته.
فما هذا العناء! كأنّك لم تقرأ المعوّذة، ولم تسمع مخاطبته نبيّه صلى الله عليه وسلم، في التّقدمة إليه بالاستعاذة من شرّ حاسد إذا حسد.