الله "ولقد زل بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل"، فهو كلام جميل لكنه لا ينطبق على العلماء الذين يعولون فيما يقولون على الدليل وإنما ينطبق على الذين يعرضون عن الدليل ويتبعون أهواءهم.. ولهذا قال عقب ذلك مباشرة: "ولنضرب لذلك عشرة أمثلة أحدها - وهو أشدها- قول من جعل اتباع الآباء في أصل الدين هو الرجوع إليه دون غيره حتى ردوا بذلك براهين الرسالة وحجة القرآن ودليل العقل فقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الآية" إلى آخر كلامه رحمه الله ثم قال: "والثاني رأي الإمامية في اتباع الإمام المعصوم - في زعمهم - وإن خالف ما جاء به النبي المعصوم حقا وهو محمد صلى الله عليه وسلم فحكموا الرجال على الشريعة ولم يحكموا الشريعة على الرجال وإنما أنزل الكتاب ليكون حكما على الخلق على الإطلاق والعموم"، ثم قال: "والثالث لاحق بالثاني.. وهو مذهب الفرقة المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت، بل جعلوا أكثر ذلك أنفحة (؟) في عقد أيمانهم من خالفها كفروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي وقد تقدم من ذلك أمثلة" انتهى كلام الإمام الشاطبي رحمه الله، ثم ذكر بقية الأمثلة العشرة. ومن الواضح الجلي أنه فسر المهدية بتفسير خاص بمبتدعة وهم أتباع المهدي المغربي حيث قال: "والثالث لاحق بالثاني وهو مذهب المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت الشريعة أوخالفت" وقد أوضح ذلك في كلام له سبق وذكر الأمثلة التي أشار إلى تقدمها فقال عن المهدي المغربي: "إنه عد نفسه الإمام المنتظر وأنه معصوم حتى أن من شك في عصمته أو في أنه المهدي المنتظر فهو كافر.." وقال عنه: "إنه نزل أحاديث الترمذي وأبي داود في الفاطمي على نفسه وأنه هو بلا شك" وقال: "وأحدث في دين الله أحداثا كثيرة زيادة إلى الإقرار بأنه المهدي المعلوم والتخصيص بالعصمة ثم وضع ذلك في الخطب وضرب في السكك بل كانت تلك الكلمة عندهم ثالثة الشهادة فمن لم يؤمن بها أو شك فيها فهو كافر وشرع القتل في مواضع لم يضعه الشرع فيها وهي نحو من ثمانية عشر موضعا كترك امتثال أمر من يستمع أمره وترك حضور مواعظه ثلاث مرات والمداهنة إذا ظهرت في أحد قتل وأشباه ذلك"، أقول فهؤلاء هم الذين عناهم الشاطبي بالفرقة المهدية والتي فسرها بقوله: "التي جعلت أفعال مهدي حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت"، وهم الذين اعتبرهم من المبتدعة وقد فسر هو مراده بالفرقة المهدية بهذا التفسير وليس مراده بالفرقة المهدية الذين يصدقون بخروج المهدي كما زعم الشيخ ابن محمود، ولا يليق بإمام كالشاطبي أن يصف أئمة أهل السنة وعلماء الحديث كالعقيلي والخطابي والابري وابن حبان البستي والقاضي عياض والقرطبي وابن تيمية والذهبي وابن القيم وابن كثير وغيرهم بأنهم من أهل البدع لكونهم يقولون بصحة خروج المهدي في آخر الزمان..

وبهذا يتضح أن الشاطبي رحمه الله لم يقل بتضعيف أحاديث المهدي ولم يصف القائلين بثبوتها بأنهم من أهل البدع بل أن ما حكاه عن المتمهدي المغربي من أنه نزل أحاديث الترمذي وأبي داود في الفاطمي على نفسه أنه هو بلا شك، دون أن يشير إلى تضعيف الأحاديث في ذلك، يشعر بأنه يعتبر خروج المهدي في آخر الزمان أمرا ثابتا..

13- وقال الشيخ ابن محمود في ص 70:

ولست أنا أول من قال ببطلان دعوى المهدي وكونه لا حقيقة لها فقد رأيت لأستاذنا الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رسالة حقق فيها بطلان دعوى المهدي، وأنه لا حقيقة لوجوده وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة جدا فلا ينكر على من أنكره.

والجواب أن الشيخ محمد بن مانع رحمه الله قال أولا كلا ما محتملا تضعيف أحاديث المهدي وذلك في كتابه الكواكب الدرية اغترارا بكلام ابن خلدون يدل على ذلك قوله في كتابه المذكور:

"ومن أراد تحقيق هذه المسألة فليراجع مقدمة ابن خلدون فقد أفاد فيها وأجاد" ولكنه بعد أن حدق النظر في الموضوع عاد فألف رسالة سماها (تحديق النظر بأخبار الإمام المنتظر) توجد منها نسخة خطية في دار الكتب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015