يوجب الدفأ والتجرد من الثياب يوجب البرد ونحو ذلك.
لكن من لا يثبت الأسباب والعلل من أهل الكلام كالجهم وموافقيه في ذلك مثل أبي الحسن وأتباعه يجعلون المعلوم اقتران احد الأمرين بالآخر لمحض مشيئة القادر المريد من غير أن يكون أحدهما سببا للآخر ولا مولدا له.
وأما جمهور العقلاء من المسلمين وغير المسلمين وأهل السنة من أهل الكلام والفقة والحديث والتصوف وغير أهل السنة من المعتزلة وغيرهم فيثبتون الأسباب ويقولون كما يعلم اقتران أحدهما بالآخر فيعلم أن في النار قوة تقتضى التسخين وفي الماء قوة تقتضى التبريد وكذلك في العين قوة تقتضى الأبصار وفي اللسان قوة تقتضى الذوق ويثبتون الطبيعة التي تسمى الغريزة والنحيزة والخلق والعادة ونحو ذلك من الأسماء.
ولهذا كان السلف كأحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما يقولون العقل غريزة وأما نفاة الطبائع فليس العقل عندهم إلا مجرد العلم كما هو قول أبى الحسن الأشعري والقاضي أبى بكر والقاضي أبى يعلى وأبن عقيل وأبي الخطاب والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم وإن كان بعض هؤلاء قد يختلف كلامهم فيثبتون في موضع آخر الغرائز والأسباب كما هو مذهب الفقهاء والجمهور.
فالمقصود أن لفظ التجربة يستعمل فيما جربه الإنسان ب عقله وحسه وإن لم يكن من مقدوراته كما قد جربوا أنه إذا طلعت الشمس انتشر الضوء في الآفاق وإذ غابت أظلم الليل وجربوا أنه إذا بعدت الشمس عن سمت رؤؤسهم جاء البرد وإذا جاء البرد سقط ورق الأشجار وبرد ظاهر الأرض وسخن باطنها وإذا قربت من سمت رؤوسهم جاء الحر وإذا جاء الحر أورقت الأشجار وأزهرت فهذا أمر يشترك في العلم به جميع الناس لما قد اعتادوه وجربوه