ثم يعلم من يثبت الأسباب أن سبب ذلك أن شبيه الشيء منجذب إليه وضده هارب منه فإذا برد الهواء برد ظاهر الأرض وظاهر ما عليها فهربت السخونة إلى البواطن فيسخن جوف الأرض ويسخن الماء الذي في جوفه ولهذا تكون الينابيع في الشتاء حارة وتكون أجواف الحيوان حارة فتأكل في الشتاء أكثر مما تأكل في الصيف بسبب هضم الحرارة للطعام وإذا كان الصيف سخن الهواء فسخنت الظواهر وهربت البرودة إلى البواطن فيبرد باطن الأرض وأجواف الحيوان وتبرد الينابيع ولهذا يكون الماء النابع في الصيف ابرد منه في الشتاء ويضعف الهضم للطعام.
فهذه القضايا ونحوها مجربات عاديات وإن كان كثير منها يقع بغير فعل بنى آدم.
وكذلك ما علم من سنة الله تعالى من نصر أنبيائه وعباده المؤمنين وعقوباته لأعدائه الكافرين هو مما قد علم ويحصل به الاعتبار وإن لم يكن ذلك مما يقدر عليه المجرب نفسه وقد يعلم الإنسان من فعل غيره ما يحصل له به العلم التجربي وإن لم يكن له قدرة على فعل الغير.
وأيضا فالسبب المقتضى للعلم ب المجربات هو يكرر اقتران أحد الأمرين بالآخر أما مطلقا وأما مع الشعور بالمناسب وهذا القدر يشترك فيه ما تكرر بفعله وما تكرر بغير فعله فكونه بفعله وصف عديم التأثير في اقتضاء العلم فلا يحتاج أن يجعل هذا نوعا غير النوع الآخر مع تساويهما في السبب المقتضى للعلم إلا لبيان شمول المجربات لهذين الصنفين كما يقال في الحسيات أنها تتناول ما أحسه ببصره وسمعه وشمه وذوقه ولمسه ونحو ذلك.
مع أن الفرق الذي بين أنواع الحسيات تختلف فيه أنواع العلوم أعظم مما تختلف في هذا فان البصر يرى غير مباشرة المرئي والذوق والشم واللمس