الخطاب ارفع من الجدل عندهم والتفسير الأول تفسير محققيهم المتقدمين فانه ليس من شرط الخطابي ولا الجدلي أن لا يكون علميا كما أنه ليس من شرط البرهاني أن لا يخاطب به الجمهور وان لا يجادل به المنازع بل البرهاني إذا كان مشهورا صلح للبرهان والخطابة والجدلي إذا كان برهانيا صلح للبرهان والجدل وإذا كانت القضية مبرهنة وهي مشهورة مسلمة من المناظر صلحت للبرهان والخطابة والجدل بخلاف الشعري فان المقصود به تحريك النفس ليس المراد به أن يفيد لا علما ولا ظنا فلهذا لم يدخل مع الثلاثة وأيضا فالخطابيات يراد بها خطاب الجمهور وهذا إنما يكون بالقضايا المشهورة عند الجمهور وان كانت ظنية وإذا كانت علمية فهو أجود فليس من شرطها أن لا تكون علمية وأما الجدلي فإنما هو خطاب لناس معينين فإذا سلموا تلك المقدمات حصل مقصود الجدلي وان لم تكن مشهورة.
وأما السوفسطائي فهو المشبه الملبس وهو الباطل الذي اخرج في صورة الحق والمراد بيان فساده وإلا فليس لأحد أن يتكلم به فانه كذب في صورة صدق وباطل في صورة حق لكن المقصود بذكره تعريفه وامتحان الأذهان بحل شبه السوفسطائية.
ثم قد يقول من يقول من حذاقهم ومن يروم أن يقرن بين طريقهم وطريق الأنبياء أن الأقسام الثلاثة البرهان والجدل والخطابة هي المذكورة في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
كلام أهل الفلسفة في الأنبياء عليهم السلام:
ثم يقولون أن ما جاءت به الأنبياء فهو من جنس الخطابة التي قصد بها خطاب الجمهور لم يقصد به تعريف الحقائق هذا في الأمور العملية فان مبادىء الأمور العلمية قد لا يجعلونها من البرهانيات بل من المشهورات كالعلم بحسن العدل وقبح