الظلم وأما العلميات فيقولون أن الأنبياء لم يذكروا حقائق الأمور في معرفة الله والمعاد وإنما اخبروا الجمهور بما يتخيلونه في ذلك لينتفعوا به في إقامة مصلحة دنياهم لا ليعرفوا بذلك الحق ويقولون أنهم أرادوا بخطابهم للناس أن يعتقدوا الأمور على خلاف ما هي عليه وهي من جنس الكذب لمصلحة الناس وهم يعلمون هذه المرتبة ثم النبي عندهم هل يعرف الأمور العلمية فيه نزاع بينهم.
وهم يعظمون محمدا صلى الله عليه وسلم يقولون لم يأت إلى العالم ناموس أفضل من ناموسه ويفضله كثير منهم على الفيلسوف ومنهم من يفضل الفيلسوف عليه وهم حائرون في أمور الأنبياء ولهذا كلامهم في الأنبياء في غاية الاضطراب ولم ينقلوا عن أرسطو واتباعه فيهم شيئا بل ذكروا من كلام أفلاطون وغيره في النواميس ما جعلوا به واضعي النواميس من اليونان وغيرهم من جنس الأنبياء الذين ذكرهم الله في القران ونحن نعلم أن الرسل جميعهم دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} والنواميس التي يذكرونها فيها شرك لا يأمر به أحد من أنبياء الله فعلم أن كل من ذكروه من واضعي النواميس المخالفة لما اتفقت عليه الرسل فليس بني ولا متبع لنبي بل هو من جنس واضعي النواميس من ملوك الكفار ووزرائهم وعقلائهم وعلمائهم وعبادهم.
وهم وان عظموا الأنبياء ونواميسهم فلأجل أنهم أقاموا قانون العدل الذي لا تقوم مصلحة العالم إلا به ويوجبون طاعة الأنبياء والعمل بنواميسهم وهي الشرائع التي جاؤوا بها ولكنهم لم يأتوا بالأمور العلمية بل بالعمليات النافعة والعلميات عندهم أما أن تكون التي علمها وما أمكنه إظهارها بل اظهر ما يخالف الحق عنده لمصلحة الجمهور وأما أنه لم يعلمها وإلا فهم يجوزون للرجل أن يتمسك بأي ناموس كان ولا يوجبون اتباع نبي بعينه لا محمد ولا غيره إلا من جهة مصلحة دنياهم بذلك