ذهنه أن هذه بغلة وان البغلة لا تحمل لزم قطعا أن يحضر في ذهنه أنها لا تحمل.
فالمدلول لازم للدليل فمتى تصور الإنسان الدليل ولزوم المدلول له تصور المدلول فإذا تصور أنها بغلة وتصور لازم ذلك وهو نفى الحمل عن البغلة تصور قطعا نفيه عن هذه فأما مجرد الدليل بدون تصور لزوم المدلول له فلا يحصل به العلم واللوازم البين لزومها للدليل تعلم بمجرد العلم به وبلزومها له واللوازم الخفية التي يفتقر العلم بلزومها إلى وسط وهو دليل ثان على اللزوم يقف على ذلك والاذهان في هذا متفاوقة فقد يحتاج هذا الذهن في معرفة اللزوم إلى وسط وهو الدليل والآخر لا يحتاج إليه.
وقد تنازع النظار في العلم الحاصل بالدليل هل هو لزومه عن الدليل لزوما عاديا كما يقولونه في الشبع مع الأكل أو لزوما عقليا يسمى التضمن بحيث لا يمكن الانفكاك عنه كما يمتنع وجود العلم والإرادة بدون الحيوة.
والأول قول قدماء النظار ك الأشعري وغيره ولهذا جعله المعتزلة من باب التولد وهذا كالرؤية مع التحديق وكالسمع مع الاصغاء وإلا فحصول العلم بالدليل دون المدلول عليه ليس ممتنعا لذاته بل الأول سبب للثاني ومقتض له وموجب له بحكم سنة الله تعالى في عباده بخلاف الحيوة مع العلم فان الأول شرط للثاني ولهذا كان العلم يوجد مع الحيوة ليست الحيوة متقدمة عليه كما يتقدم العلم بالدليل على العلم بالمدلول عليه.
ونظار المسلمين مع تنازعهم في هذا متفقون على أن الدليل مقدمة واحدة كما ذكرناه وما ذكروه من البغلة موجود في سائر النظريات فان الإنسان قد يعلم الخاص ولا يعلم العام وقد يعلم العام ولا يعلم الخاص كما قد يعلم أن هذه بغلة ولا يعلم أن البغلة لا تحمل وقد يعلم أن البغلة لا تحمل ولا يعلم أن هذه بغلة ولا يجب أن يكون علمه بالخاص مقدما على العام ولا متاخرا بل قد يتفق في بعض الناس علمه بالخاص قبل العام وفي بعض الناس يعلم العام قبل الخاص