وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا» قال ابن مفلح في قوله: «ليس منا» هذه الصيغة تقتضي عند أصحابنا التحريم انتهى.
وأما التشديد في ابتغاء سنة الجاهلية في الإسلام فقد رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطّلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه».
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن أبغض الناس إلى الله هؤلاء الثلاثة. وذلك لأن الفساد إما في الدين وإما في الدنيا, فأعظم فساد الدنيا قتل النفوس بغير الحق, ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر, وأما فساد الدين فنوعان: نوع يتعلق بالعمل, ونوع يتعلق بمحل العمل فأما المتعلق بالعمل فهو ابتغاء سنة الجاهلية, وأما المتعلق بمحل العمل فالإلحاد في الحرم لأن أعظم محال العمل هو الحرم, وانتهاك حرمة المحل المكاني أعظم من انتهاك حرمة المحل الزماني - إلى أن قال -: والمقصود أن من هؤلاء الثلاثة من ابتغى في الإسلام سنة الجاهلية, فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن الجاهلية دخل في هذا الحديث, والسنة الجاهلية كل عادة كانوا عليها, فإن السنة هي العادة وهي الطريق التي تتكرر لتتسع لأنواع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة, قال تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» والاتباع هو الاقتفاء والاستنان, فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية,