وأما قوله إن الحلال بيّن والحرام بيّن.
فجوابه أن يقال: إن من الحرام البيّن إقامة الولائم في المآتم لأنه من المحدثات التي ليس عليها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ذلك من سنة الخلفاء الراشدين ولا من عمل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. بل كانوا يعدونه من النياحة كما تقدم فيما رواه ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. وقال أبو البختري إنه من أمر الجاهلية وقال سعيد بن جبير إنه من عمل الجاهلية. وكان عمر بن عبد العزيز يمنع منه وهو من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين. وفي هذا أوضح البيان أن إقامة الولائم في المآتم من الحرام البيّن. ولا يخفى هذا إلا على إنسان لا يميّز بين الحلال والحرام.
وأما قوله وليتنا نستطيع أن نطهر مجتمعنا من الحرام ونقنع الناس باجتنابه بدلاً من إكثار الممنوعات والمحرمات حتى نطفشهم وندفعهم للتمرد وعدم تصديقنا في أن كل شيء حرام حتى المأدبة التي يقيمها أهل الميت في اليوم الثالث من الوفاة حيث يجلسون لاستقبال المعزين والمعزيات ويطعمون الفقير والفقيرات. ماذا في ذلك.
فجوابه من وجوه أحدها: أن يقال إن إقامة الولائم في المآتم من الأمور التي يجب منعها والتحذير منها لأن هذا العمل محدث في الإسلام وهو من النياحة كما تقدم بيانه. وما كان من المحدثات والنياحة فهو حرام يجب تطهير المجتمع منه.
الوجه الثاني: أن يقال إن تطهير المجتمع من البدع أهم من تطهيره من جمع الأموال من الحرام لأن البدع بريد الشرك وهي تؤول إليه. وما كان بهذه المثابة فتطهير المجتمع منه أهم من تطهيره من