الأمر الثاني: أن يكون عالماً بدخول بدعتي المأتم والمولد في عموم المحدثات التي حذر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بردها ولكنه قد وجد أهله وشيوخه وأهل بلده يعملون بهاتين البدعتين ويستحسنونهما وقد تربى على ما وجد عليه أهله وشيوخه وأهل بلده من البدع وأَلِفَها وأحبها فهو لذلك يتعصب لها ويبذل غاية وسعه في الدفاع عنها وينكر على العلماء والخطباء الذين يحذرون منها ويستدلون على المنع منها بالنصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك, وهذا هو الظاهر من حال صاحب المقال الباطل وأشباه له كثيرين من أهل بلده وغير بلده, وما أشد الخطر في هذا لأن الله تعالى يقول: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} وقال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} وقال تعالى: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} وقال تعالى مشدداً على الذين يخالفون أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الكلام على هذه الآية: أتدري ما الفتنة؟. الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك, ثم جعل يتلو هذه الآية: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} وفيما ذكرته من الآيات أبلغ تحذير من رد الحق واتباع الهوى ومخالفة ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:
يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وأبلغ من هذا قول الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن