والجواب عن هذا من وجهين أحدهما: أن يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يبر المنافقين ويعطف عليهم كما زعم ذلك صاحب المقال الباطل, وإنما كان يعاملهم بما أمره الله به من جهادهم والغلظة عليهم, قال الله تعالى في سورة التوبة وسورة التحريم: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} قال عطاء نسخت هذه الآية كل شيء من العفو والصفح. ذكره البغوي في تفسيره. قال: واختلفوا في صفة جهاد المنافقين, قال ابن مسعود: بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه, وقال: لا تلق المنافقين إلا بوجه مكفهر وقال ابن عباس: باللسان وترك الرفق وقال الضحاك: بتغليظ الكلام وقال الحسن وقتادة: بإقامة الحدود عليهم, قال ابن كثير: وقد يقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال انتهى. وذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أمر بالجهاد مع الكفار بالسيف ومع المنافقين باللسان وشدة الزجر والتغليظ. وقد روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن فيكم منافقين فمن سميت فليقم, ثم قال: قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى سمى ستة وثلاثين رجلاً ثم قال: إن فيكم أو منكم فاتقوا الله» وفي رواية الطبراني: «فسلوا الله العافية» قال فمر عمر على رجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه قال مالك: قال فحدثه بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعداً لك سائر اليوم. وفي هذا الحديث ما مع تقدم ذكره من الآية الكريمة وأقوال المفسرين من الصحابة والتابعين أبلغ رد على من زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبر المنافقين ويعطف عليهم.
وقد فضح الله المنافقين في سورة براءة وغيرها من السور ونهى