وأغنى الأغنياء؟!
ثم من لم يُعَلِّل يقول فِعْلُه لا يُعَلَّل ومن يُعَلِّل يقول له في ذلك حكمة خَلَق ذلك لأجلها ومن فعل شيئًا لمرادٍ له يحبه لم يكن متضرِّرًا بحصول محبوبه ومراده.
وهؤلاء يقولون وإن كان مُبْغضًا للمعصية كارهًا لها ماقتًا لها فهذا لا ينافي كونه خلقها وأرادها لحكمة في ذلك وهو يحب الغاية التي خلقها لأجلها كالمريض الذي يريد شربَ الدواء وهو يبغضه فهو يريده لمحبته العافيةَ الحاصلةَ به فهو وإن كان مرادًا له لحكمة يحبها فهو مبغض له في نفسه فهكذا ما خلقه من الشياطين والمعاصي خلقها لحكمة وهو يبغض تلك المخلوقات المرادة.
وعلى قول هؤلاء فلا تكون المعاصي إساءة إليه إذ كان هو الخالق لها لحكمته بل لو كان المُحْدِث لها غيره لم يكن مسيئًا إليه إذا كان قصده تلك الغاية المحبوبة له فمن فعل مع غيره ما يوجب حصول محبوبه لم يكن مسيئًا له وإن كان في ذلك بعض ما يكره فكيف إذا كان هو الفاعل؟!
وأما مذهب القدرية من المعتزلة وغيرهم وإن قالوا إن العبد أحدث المعصية بدون مشيئة الله وقدرته لا يقولون إنها إساءة إلى الله ولا أنها تضر الله بل المعتزلة متفقون على أن علل أفعاله وأحكامه عائدة إلى المخلوق لا إليه وهم غلاةٌ في النفي فلا يصفونه بفرحٍ أو غضبٍ يقوم به ولا حبٍّ ولا رضًى ولا سخط بل ولا بإرادة تقوم به وإنما ذلك كله عندهم مخلوقات منفصلة عنه ومثل هذا لا يُسمى إساءة إليه بلا ريب.