وقال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ [الحديد 28] والآيات في هذا المعنى كثيرة وهذا بابٌ واسعٌ.
والقرآن يدلُّ على ما أرانا الله من الآيات في أنفسنا وفي الآفاق كما قال سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت 53] أي حتى يتبين لهم أن القرآنَ حقٌّ فقد أخبر أنه سَيُرِي عبادَه من الآيات العيانية المشهودة ما يبين أنَّ آياتِه المسموعةَ حقٌّ.
ولم يُرِد بذلك ما تظنه طائفةٌ من أهل الكلام أنه مجرَّد إثبات العِلْم بالصانع بدلائل الآفاق والأنفس فإن إثبات الصانع كان قد بَيَّن أدِلَّتَه قبل نزول هذه وقد قال في هذه الآية سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا [فصلت 53] وهذا وعدٌ مُسْتقبل وما دلَّ على الصانع وحده معلوم قبل نزول الآية ولأن الضمير في قوله أَنَّهُ الْحَقُّ عائد على القرآن كما يدلُّ عليه السياق ومِنْ هذا الغلط ظنَّ بعضُهم أن المراد بدلائل الآفاق والأنفس الطريقة النظرية وهو الاستدلال بالأثر على المؤثِّر والمراد بقوله أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) [فصلت 53] الاستدلال بالأثر على المؤثِّر حتى ظنَّ ابنُ سينا ونحوه أن طريقهم في إثبات واجب الوجود بمجرَّد الوجود هو مدلول هذه الآية.