وقول المعترض: (الفرقُ: نذر اللجاج والغضب معناه: التزام أمر على تقدير ثبوت أمر يقصد عدمه، أو عَدَمُ أَمرٍ يقصد ثبوته) ليس بحدٍّ جَامع، بل منه ما يكون إثبات حكم في عين معينة خارجة عنه، يرد النذر على ذلك المحل الخارج المعين.
فقوله: (إِنَّ مورد النذرِ الذمةُ لا غير) خطأٌ محض باتفاق العلماء، وليست أمثلة نذر اللجاج والغضب منحصرة في قوله: فعليَّ أَنْ أتصدق أو أعتق أو أحج أو أطلق ونحو ذلك من الصيغ الذي تُثْبِت وجوب فعلٍ في الذمة، بل من أمثلته ما يقتضي إثبات حكم في عين معينة، كقوله: إِنْ فعلت فثلث مالي صدقة، وفرسي وقف على الفقراء والمساكين، وماشيتي هدي في سبيل الله أو أَضَاحِي لله، ومالي الذي في ذمم الناس فهم برآء منه، وقاتل أبي وأخي بريءٌ من القَوَد الذي لي عليه وأمثال ذلك؛ فهذا ونحوه مُعَلَّقُ الوقوعِ كمعلَّق الطلاق والعتاق، وهو لو علَّقَهُ تعليق نذر لوقع، ولم يكن متمكنا من الرجوع عن مقتضاه، كما لا يتمكن المطلِّق والمعتِق الذي شرط في كلامه صيرورة المرأة طالقًا والعبد حرًّا من غير أن ينشئ لهما طلاقًا وعتقًا.
وكذلك هنا؛ عَلَّقَ مصيرَ المال وقفًا وهديًا وأضحية وصدقة من غير أن ينشئ لها وقفًا وهديًا وأضحية ولا إبراء من الدين والقود ونذر تصدق، بل قد يجب عليه موجَب كونه هديًا ووقفًا وصدقة، وذاك زيادة عملٍ واجبٍ في الذمة من غير أن يتمكن من رَفْع (?) ما أوقعه من هذه الأعيان، وهو مع هذا إذا كان قصده بالتعليق اليمين أجزأته الكفارة، ولم يصر ذلك وقفًا ولا هديًا ولا أضحية، ولا تَبرأ ذمة المعين إذ كان قصده اليمين لم يقصد