وكلاهما فعلٌ يفعله.
وأيضًا؛ فاعتقاده زوال الملك وامتناعه من الاستعباد والاستمتاع فعلٌ يَقصده وينشئه من حين وقوع الطلاق، وهذا كالصوم فإنه مأمور به وإن كان كفًّا وإمساكًا.
فلو قال: إِنْ فعلتُ كذا فلله عليَّ صومُ شهرٍ، أو إِنْ شفى الله مريضي فعليَّ صوم شهر = لم يكن الواجب بهذا النذر إلا إمساكًا يمسكه، ولو قال: لله عليَّ صومُ يوم الاثنين والخميس أو صوم الشهر الفلاني = كان الواجب صوم زمانٍ معيَّنٍ، وذلك إمساكٌ في ذلك الزمان، والصوم هنا ليس في الذمة ولا يحتاج إلى إنشاء فعل، بل إنما عليه الإمساك عن الفطر مع النية، وإذا وقع العتاق والطلاق فعليه الإمساك عن الاستعباد والاستمتاع مع اعتقاد زوال الملك، وهو لو حلف بنذر صوم معين أو مطلق أجزأته كفارة يمين.
فتبيَّن أَنَّ العتق والطلاق قد يوجب أفعالًا من جنس ما يوجبه النذر، وأَنَّ النذر قد يوجب إيقاعَ حكمٍ في عينٍ مِنْ جِنْسِ ما يوجبه الإعتاق والتطليق؛ وظهر بهذا أَنَّ ما ذكر من أن النذر إنما موجِبه شيء في الذمة لا أثر له في غير الناذر = كلامٌ باطل، بل من النذر ما يكون موجِبه ثبوتَ حكمٍ في شيء غيره، وَيَرِدُ على محلٍّ خارج عنه يتأثر به كالطلاق والعتاق الواردين على الزوجة والمملوك، مثل: ورود الوقف على العين الموقوفة، وورود جعل المال المعيَّن هديًا وأضحية وصدقة على العين المعينة، وهذا مما اتفق عليه العلماء؛ اتفقوا على أَنَّ النذر ينقسم إلى مطلق في الذمة ومُعيَّن، كما أَنَّ الهدي والأضحية تنقسم إلى مطلق في الذمة ومعين، فليس من شرط المنذور أَنْ يكون مطلقًا في الذمة يمكنه فعله وتركه.