فمعلومٌ أنَّه ليس له وطر في أَنْ تزول عنه نعمة الله في دينه ودنياه، ويحل به بأس الله في دينه ودنياه، فإذا لم يبق له زوجة ولا مملوك ولا مال زالت عنه نعم الله في دينه ودنياه، وإذا مات على الكفر فقد زالت عنه نعمة الله في دينه ودنياه، وإذا كان مع ذلك قد قطع الله يديه ورجليه وأهلكه وذبح أولاده على صدره وزنا بأمه في كعبة المسلمين ونحو ذلك من الأمور المفسدة لدينه ودنياه = فنحن نعلم أنَّه ليس له وطر في هذا قطعًا، فَعُلِمَ قطعًا أَنَّ الحالفَ بالطلاق ليس له وطر في الطلاق، وأَنَّ قولَ ابن عبَّاس: الطلاق عن وطر؛ يُبيِّن أن الحالف بالطلاق لا يلزمه الطلاق عند ابن عبَّاس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.
وقول القائل: (بل هو قاصد للطلاق على تقدير وقوع شرطه فإنه مقتضى الربط).
فنقول: نحن لا نسلم أَنَّ مقتضى الربط وقوع الطلاق، وأن الحالف قصد الربط والتعليق، لكن فَرْقٌ بين قصد الربط والتعليق وبين قصد وقوع الجزاء المعلق، فإنه قَصَدَ الربط والتعليق للكفر ودعاءه على نفسه بالعظائم وخروجه من أهله وماله وأمثال هذه اللوازم، ولم يقصد وقوع هذه المعلقات المربوطة بالفعل مع قصد الربط = هو ممتنع غاية الامتناع من قصد هذه التعليقات، كارهٌ غاية الكراهة لوقوعها وإنْ وجد الشرط، وقَصْدُهُ بربطها وتعليقها أن تكون لازمة للفعل الذي قَصَدَ منع نفسه منه ليمنعه هذا الربط من ذلك الفعل، لامتناعه هو وكراهته من الجزاء المعلق اللازم، وإذا كان كارهًا ممتنعًا من اللازم = صَار كارهًا ممتنعًا من الملزوم، فهذا هو مقصوده بالربط والتعليق؛ لم يقصد قط أن يوجد اللازم المعلق سواء وجد الملزوم أو لم يوجد، بل إنما جعله لازمًا حين كان كارهًا ممتنعًا من الملزوم الذي هو الشرط.