والعتق جعله الله من الكفارات كما جعل الصيام والصدقة والهدي؛ فأنواع الكفارات أربعةٌ: أحدها العتق، والطلاق لم يجعله الله تكفيرًا لشيء من السيئات، والطلاق رفعٌ للنكاح الذي يحبه الله ويأمر به، والعتق إزالة للرق عن ابن آدم الذي خلقه الله حرًّا، فهو إعادة له إلى أصله؛ ولهذا كان سبب الرق الكفر فالحر المسلم لا يسترق بحال (?)، وأما المرأة فإنما خُلِقَتْ لأن تكون منكوحة لا أن تكون مطلَّقة، والحرة المسلمة بقاؤها مع زوجها خيرٌ لها في أكثر الأحوال من أن تكون مطلَّقة متضررة (?)، فالعتق نفعٌ للعبد بالتحرير ونفعٌ للسيد بالثواب، والطلاق المحلوف به في الغالب ضررٌ على المرأة وضررٌ على الزوج بلا ثواب.
فإذا قال قائل من الصحابة أو غيرهم: إنَّ الطلاق المحلوف به لا يلزم بخلاف العتق كان هذا أوجه من أَنْ يقول: إنه يلزم الطلاق دون العتق (?)؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أَنَّ الطلاق المعلق لا يقع طلاقًا، وأما العتق المعلق إذا قصد إيقاعه فإنه يقع بلا نزاع، وهذا القول أقوى من قول أبي ثور بوقوع الطلاق المحلوف به دون العتاق المحلوف به، وقد قاله أَبو عبدِ الرحمن الشَّافعي وهو في عصر أبي ثور، وكلاهما من أصحاب الشَّافعي البغداديين، ووافقه عليه ابن حزم وطائفة.
فإنْ قيلَ: هذا مخالفٌ للإجماع؛ فقول أبي ثور أولى أن يكون مخالفًا للإجماع، وإنْ جعلَ ذلك خلافًا سائغًا حتَّى يحمل عليه قول بعض