مع أنه لا يَحكي عنهم بالقياس ما دَلَّ كلامهم وتعليلهم عليه -كما يفعل هذا المعترض وأمثاله-؛ فهذا قلبٌ للحقائق، فإنه إن لم يجز نقل المذاهب بالقياس والتعليل والألفاظ العامة، لم يجز أن ينقل عنهم في الحلف بالطلاق شيء، لا سيما عن ابن عباس - رضي الله عنهما -؛ وإنْ جاز ذلك كان النقل عنهم أن الطلاق المحلوف به لا يلزم أولى من النقل عنهم أنه يلزم، فإنَّ تعليق الحكم بكونه قصد اليمين يتناول الحلف بالطلاق وغيره.
وقول ابن عباس - رضي الله عنها -: (الطلاق عن وطر)، يقتضي تعليله وعمومه أن الطلاق المحلوف به لا يقع، وليس عن ابن عباس حرف واحد يدلُّ على وقوع الطلاق المحلوف به، وما نقل عنه في العتق إن كان ضعيفًا فلا حجة فيه، وإنْ كان صحيحًا فقد ثبت عنه ما يناقضه، وبتقدير أن يكون هذا رواية عنه؛ فإلحاق الطلاق بالعتاق في اللزوم أضعف من إلحاق الطلاق بالعتاق في عدم اللزوم.
فإذا قال قائل: إذا كان العتق المحلوف به لا يلزم، فالطلاق كذلك وأولى. وقال آخر: إذا كان العتق المحلوف به يلزم، فالطلاق المحلوف به كذلك وأولى، ولا ريب أَنَّ كلام الأول أصح وأشبه بالأصول التي دَلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع.
فإنَّ وقوع العتق ونفوذه أقوى من وقوع الطلاق ونفوذه، وهذا يحبه الله ويأمر به ويوجبه على مَنْ نذره، وهذا لا يحبه ولا يأمر به ولا يوجبه على من نذره، وهذا محرم في مواضع بالنص والإجماع كما يحرم طلاق الحائض وطلاق الموطوءة بالنص والإجماع، والعتق لا يحرم مع تمام الملك، والعتق يجب تكميله ويسري إلى ملك الغير، والطلاق لا يتصور ذلك فيه،