حلف يمينًا غموسًا بالكفر لم يجُعل مرتدًّا كسائر المرتدين الذين تباح دماؤهم بالردة لأنهم بدلوا دينهم، فلزوم الطلاق والعتاق والنذر له عند كذبه في الغموس وحنثه في غيرهما بمنزلة جعله مرتدًّا عند كذبه وحنثه وهذا باطل؛ فكذلك الأول.
وأيضًا؛ فقول الصحابة لها: كَفِّرِي يمينك، ينصرف إلى اليمين التي ذَكَرَتهْا لهم، وهي قولها: كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية إِنْ لم تفرق بينك وبين امرأتك، وهي يمين واحدة عَلَّقَتْ فيها الهديَ والعتقَ والكفرَ، ولهذا لما أخذ أحمد بهذا الأثر، جعل كفارة واحدة تجزئ في هذا كُلِّهِ، فقال فيمن قال: إنْ فعلتُ كذا فما لي هدي وعليَّ الحج وأنا يهودي ونصراني: تجزئه كفارة يمين واحدة (?)، واستدل بهذا -أيضًا- على أَنَّ الحلف بالكفر فيه الكفارة عند هؤلاء الصحابة، واتبعهم في ذلك إذ لم يخالفهم غيرهم، فإنه لو لم تكن يمينًا مُكَفَّرَة لأفتوها بالكفارة فيما يُكَفَّر، وقالوا في الباقي: لا كفارة فيه.
وأما قوله: (إنه ليس في قول زينب: خَلِّ بين الرجل وبين امرأته؛ أمرًا بالتكفير).
فيقال: إِنْ كانت زينب وحفصة لم يأمرا بالتكفير، بل جعلا هذه يمينَ لغوٍ، فهذا يصلح أَنْ يحتج به مَنْ رأَى ذلك يمينًا غير منعقدة، فلا يقع عتق ولا نذر ولا كفارة في ذلك، وهذا مذهب ابن جرير وداود وأصحابه كابن حزم، واحتج هؤلاء بهذا.