والناسُ يُدخلون الحلفَ بالطلاقِ والظهارِ والحرامِ والنذرِ في أيمان المسلمين مع أن أكثرهم لا يعرفون أيمانَ البيعة، وقد كان الناسُ يسمونَ التعليق الذي يُقصدُ بِهِ اليمين يمينًا قبلَ أَنْ يُستحلفَ الناسُ في البيعة بهذه الأيمان؛ فقد سماها الصحابة مثل: عمر وابنه وابن عباس - رضي الله عنه - وعائشة وحفصة وزينب وغيرهم أيمانًا قبل أنْ تدخلَ هذه في أيمان البيعة.
فإنَّ أولَ من رتَّبَ هذه الأيمان في البيعة هو: الحجاج بن يوسف على ما ذكره الفقهاء في كتبهم، والحجاج إنما تولى العراق بعد قتل ابن الزبير، وكان ابن عباس - رضي الله عنه - قد ماتَ قبلَ ذلكَ بمدةٍ، وتوفي ابن عمر - رضي الله عنهما - عامَ قتل ابن الزبير سنة بضع وسبعين، وإمارةُ الحجَّاج على العراق من جهة عبد الملك وتحليفه الناس له بأيمان البيعة -الطلاق والعتاق وصدقة المال-[كان] (?) بعد هذا، ثم كان مِنَ الناس مَنْ يحلفهم بها ومنهم من لا يحلفهم.
وكانت إمارة هشام بن عبد الملك في أوائل المائة الثانية بعد عمر بن عبد العزيز وبعد أخيه يزيد، وهو آخر الأربعة من بني عبد الملك الذين تولوا الخلافة: الوليد وسليمان ويزيد وهشام؛ فكان توبة بن أبي أسيد لما امتنع أن يحلفهم بالطلاق قد أحسن إليهم حيث خرج عن العادة والسُّنَّة التي سَنَّهَا لهم الحجاج، وكانوا يحلفونهم بالله وبالنذر كصدقة المال ويحلفونهم بالطلاق والعتاق (?).