حسيات باطنة، ثم يعلم بالعقل أَنَّ هذا مثل هذا، بخلاف العلم بالاقتضاء فإنه عقلي محض، وما تعاضد على معرفته الحس والعقل كان أبلغ مما يُعْرَف بمجرد العقل وكون هذه أيمانًا مما يعرفه عموم الخلق كلهم.
وأما كونها من أيمان المسلمين: فهذا بحسب اعتقاد موجَبها؛ فمن جعلها غير موجبة لا للزوم الجزاء ولا للكفارة فهي عنده ليست من أيمان المسلمين، بل من جنس الحلف بالمخلوقات، ومن جعلها توجب أحد هذين جعلها من أيمان المسلمين، وعلى هذا جمهور المسلمين قديمًا وحديثًا، ولم يُنْقَل عن الصحابة في جنس التعليقات التي يقصد بها اليمين إلا أحد هذين القولين وكذلك جماهير التابعين والعلماء، والقول بأنها أيمان غير منعقدة قول طائفة من التابعين وهو قول داود وابن جرير الطبري والإمامية، كما أن القول بأن الطلاق المعلق بالصفات لا يقع يحكى عن طائفة من الناس لم يُنْقَلْ هذا عن أحدٍ من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
والقول بأن هذه ليست أيمانًا منعقدة أَضعفُ من قول مَنْ يقول: موجَبها لزوم ما علقه، فإنَّ هذا يشبه قول من جعل أيمان المسلمين لا كفارة فيها، والثاني يشبه قول من جعل موجَبها الوفاءَ دون الكفارة، وهذا قد قيل إنه كان شرع أهل الكتاب، فالقول بلزوم ما عَلَّقَهُ من جنس الشرع المنسوخ شرعِ أهلِ الكتاب وما كانوا عليه في أول الإسلام، وأما القول بأنها غير منعقدة ولا توجب شيئًا فهذا قول من يجعل أيمان المسلمين لا توجب على الحالف شيئًا لا وفاء ولا كفارة، وهذا من جنس قول أهل الجاهلية الذي لم يشرع بحال، وشرعٌ منسوخٌ خيرٌ من قولٍ لم يشرع بحال (?).