ففي هذه التعليقات هذان المعنيان فلا بُدَّ من رعايتهما، وإنما يغلط هو بِرَعْي أحدهما دون الآخر كما يصيب المعترض؛ تارة يَرعى الأول فقط وتارة يَرعى الثاني فقط، وكلا النظرين نَظَرٌ ناقص.
وكذلك مَنْ أوجب الكفارة عينًا لم يراع [إلا] (?) الحنث الأول فقط، ومن ألزمه بما التزمه لم يَرْعَ في ذلك معنى اليمين، بل جعله ناذرًا محضًا، وهو -أيضًا- غلط، ومن لم يُلْزِمْهُ كفارة أصلًا جعل يمينه من جنس الحلف بالمخلوقات، وهو -أيضًا- غالطٌ.
ولكن كل قول من هذه الأقوال قاله طائفة من علماء المسلمين -رضي الله عنهم-، وكل مَنِ اجتهد واتقى الله -تعالى- ما استطاع= فهو مثاب مأجور، وَإِنْ خَفِيَ عليه ما بين الله لغيره، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وأهل العلم والدين يَعرفون الحق ويرحمون الخلق، ويعذرون من خالفهم مع جزمهم بأنه أخطأ ولم يفهم، وأهل الأهواء والبدع يخطئون ويذمون من خالفهم، ويتكلمون فيه بالباطل؛ فتارة يكفرونه وتارة يفسقونه، كما يفعل الخوارج والروافض وغيرهم من أهل البدع.
ولهذا لمَّا تَكَلَّمَ مَنْ تكلم بالحق الذي دَلَّ عليه الكتاب والسنة في هذه المسألة؛ صار الجاهلون الذين تكلموا فيها بلا علم من جنس أهل البدع الذين يُكَفِّرون أو يُفَسِّقُون من اتبع الكتاب والسنة، وَإِنْ كانوا لا يعتقدون أنه موافق للكتاب والسنة، ليس كلامهم من جنس كلام أهل العلم الذين تكلموا بالأدلة الشرعية، ويعتصمون بالكتاب والسنة مع العلم بذلك والعناية به.