فيقال: هذا اعترافٌ منه بأنَّ لزومَ الكفارةِ في الحلف بالطلاق تلزم عامةَ العلماءِ الذين جعلوه إذا فعل حانثًا تلزمه الكفارة، وقد اعترف بأنَّ كلام عامة الأصحاب وغيرهم من القائلين بالتخيير تباين ما ذَكَرَهُ، فإنهم يجعلون الفعل الذي امتنع منه بمنزلة الحنث، وأنه يوجب إما الكفارة وإما الوفاء، وقد اعترف هنا أَنَّ من قال ذلك يلزمه أَنْ يقول مثل ذلك في قوله: إِنْ فعلتُ كذا فامرأتي طالق، وَأَنَّ هؤلاء جعلوا قصد الحث والمنع مانعًا (?) من ثبوت الملتزم، وأنه ناقلٌ للكلام عن معنى نذر الإعتاق -مثلًا- إلى معنى الحلف على ذلك الفعل لا غير.
وهذا اعتراف منه بصحة نظر المجيب، واستقامة ما ذكره، وأنه موجب القياس على هذا الأصل الذي يسلمه الأصحاب وجمهور العلماء؛ وهذا هو المقصود، وقد بَيَّنَ المجيبُ ذلك في المواضع غير هذا، وذكر كلام أئمة أصحاب الشافعي وأحمد -رحمهم الله- في هذه المسألة نقلًا وبحثًا، وأن ما ذكروه يقتضي إجزاء الكفارة في الحلف بالطلاق والعتاق بلا ريب، وأنه ليس بينهما فرقٌ مؤثر، وتكلم على ما ذكروه من الفرق وَبَيَّنَ ضعفه، كما اعترف هذا المعترض بلزوم ذلك لهم هنا.
وأما قوله: (أنه ناقلٌ للكلام عن معنى نذر الإعتاق إلى معنى الحلف على ذلك الفعل لا غير).
فيقال له: لا تحتاج أَنْ تقول: لا غير؛ بل الكلام تضمن معنى يمينين: تضمن الحلف على ذلك الفعل، وتضمن -أيضًا- أنه إنما تتعين الكفارة عليه إذا وجد الأول دون الثاني، وأنه إذا وجد ما التزمه فلا كفارة عليه.