فصلٌ
قال: (والألفاظُ الواردةُ عن السلف في الكفارة كثيرٌ منها يمكن تأويله بأنها تجزئ لا أنها متحتمة) (?) (?).
فيقال له: لا ريب أَنَّ السلف لم يقصدوا أَنَّ الكفارة تَلزم مع فعل ما التزم، وقد ذكر أحمد رحمه الله إجماعهم على أنه إذا فعل ما التزم لم يَبْقَ عليه شيء، ولكن أمروا بها لأنَّ ما التزمه لم يَقصد أَنْ يلزمه، فلم يلتزمه لله، فلم يكن له في فعله حسبة لله.
وأيضًا؛ فقد علموا مِنْ قصد السائل أنه لا يختار أَنْ يفعل ما التزمه إلا أن يكون واجبًا عليه، فأما إذا لم يكن واجبًا عليه، فليس له غرض (?) في فعله على وجه التقرب به إلى الله -تعالى-، بل إنما يقصد فعله مع ثقله عليه براءة ذمته، فإذا كانت ذمته تبرأ بالكفارة فهو أحب إليه؛ فإن الملتزمات تكون في العادة أكثر من الكفارة؛ وهذا مما ألزمه أبو يوسف رحمه الله لمن قال بالكفارة. فقال: كيف يكون الرجل مخيرًا بين أداء الكفارة وبين ما هو أكثر منها؟ !
وأجابوه بأنَّ جهة وجوب هذا غير جهة وجوب هذا؛ وحقيقةُ الأمر: أنه لا يجب عليه ما التزمه، لكن تجزئه الكفارة، فإنْ فعل ما التزمه فلا كفارة عليه؛ كما لو قال: والله لأعتقنَّ مائةَ عبد اليوم؛ فإنَّ له أَنْ يحنث ويعتق عبدًا واحدًا، ولا يجب عليه عتقٌ أكثر منه، وَإِنْ كان هذا قد تضمن التخيير بين أَنْ يحنث ويعتق عبدًا وبين أَنْ يَبَرَّ فيعتق مائة عبد = فهكذا إذا قال: إِنْ فعلتُ كذا