فعل الأول كان حالفًا ليطلقها، فإنْ لم يطلقها مع وجود الفعل الأول لزمته كفارة في مذهب أحمد المنصوص المشهور عنه، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو الذي ذَكَرَهُ الخراسانيون مذهبًا للشافعي، ولم أجد عنه نَصًّا يخالفهم؛ فإن نَصَّهُ على أَنَّ نذر المعصية والمباح لا كفارة فيه، إنما يتضمن إذا كان نذرًا محضًا بخلاف ما إذا قصد به اليمين، بل قد وجد عنه ما يوافقهم فإنه نَصَّ على ما إذا قال: إِنْ فعلتُ كذا فعليَّ نذر أَنَّ عليه كفارة يمين، مع قوله فيمن قال: عليَّ نذر لا شيء عليه، وهنا إذا وجد الشرط قلنا له: أنت مخير بين أَنْ تحنث في اليمين الثانية وتكفِّر، وبين أَنْ تفعل ما حلفت عليه من الطلاق.
كما نقول له في نذر اللجاج والغضب: أنت مخير إذا وجد الشرط بين أَنْ تحنث في اليمين الثانية بتكفير، وبين أَنْ تفعل ما التزمته من العبادات، لكن لمَّا كانت هذه العبادات لم يقصد التزامها لله ولا يفعلها لقصد التقرب بها إلى الله -تعالى-، بل لاعتقاده أنها لازمة؛ لهذا أَمَرَهُ السلف والأئمة بالتكفير ولم يخيروه كما خَيَّرَهُ طائفة من المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد، وَظَنَّ طائفةٌ أخرى أن الكفارة لازمة وإِنْ فعل ما التزمه وهذا ضعيفٌ جدًّا.
فصلٌ
وأما قول المعترض: (وبهذا يتضح التخيير؛ بمعنى أَنَّا نقول للناذر: إِنْ أتيت بالمنذور فقد وَفَّيتَ بالتزامك، وإلا فالكفارة تَسُدُّ مَسَدَّهُ) فهذا الكلام خطأ؛ وهو مبني على أصلين فاسدين:
أحدهما: أنه ناذرٌ حقيقة، والثاني: أَنَّ الناذر الملتزم تسد الكفارة مَسَدَّ نَذْرِهِ إذا لم يُوفِ به، وأنه يخيَّر بين الوفاء وبين التكفير مع كونه ناذرًا حقيقة.