فهذه مآخذ العلماء المجتهدين، وليس في هؤلاء مَن نازع في كونِ ذلك يمينًا كما فعل هذا المعترض وأمثاله، ولا ادعوا ما يُعْلم فسادُهُ من كون المعلِّق تعليق اليمين قَصَدَ وقوعَ الجزاء عند وجود الشرط ونحو ذلك من الدعاوي التي يظهر فسادُها ومخالفتها للأدلة السمعية والعقلية.
وقوله: (وإما أن يقول العتق لا يشترط فيه التقرب) إلى آخره كما تقدم.
فيقال: الكلام على هذا من وجوه:
أحدها: أنَّ هذا حُجَّة على المعترض -أيضًا- فإنه إذا لم يُشترط في العتق قَصْدُ التقرب، فكذلك لا يُشترط في صحة نذره قصد القربة بطريق الأولى والأحرى؛ فإنَّ المقصود بالنذر: فعلُ الطاعة، فإذا لم يشترطوا في فعل الطاعة قصدَ القربة فألا يشترطوا ذلك في نذره أولى وأحرى.
الثاني: أنَّ ما ذكره مضمونه: أنَّ العتق فيه حقان؛ حق العبد بزوال الملك عنه كالإبراء، وحقٌّ لله بتخليصه من الرق. فيقال: وهذا صحيح، لكن دعواه أنَّ قصد القربة معتبر في حقِّ الله في تلك دون هذه خطأ، فإنه لا يُعتبر في واحدةٍ منهما قصد التقرب؛ بل يصير حُرًّا خالصًا لله وإنْ لم يقصد التقرب، وإذا اشترط قصد التقرب للثواب، فلا يُثاب لا من هذه الجهة ولا من هذه إلا بقصد التقرب؛ فأين حصولُ الثواب من حصول الحرية التي هي حقّ للهِ وحقٌّ للعبد؟
وهذان الوجهان قد اعتبرهما الفقهاء؛ فقال جمهورهم: تجوز الشهادة بالعتق من غير تقدم دعوى، كما يصح بالطلاق لما فيه مِنْ حق الله -تعالى-، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا بُدَّ من دعوى العبد.