روايةٍ أخرى عنه: (كيف يجوز للرجل أن يقولَ: أجمعوا؟ ! إذا سمعتهم (?) يقولون: أجمعوا فاتهمهم، لو قال: إني لم أعلم مخالفًا جاز).

وكذلك نقلَ عنه أبو طالبٍ أنه قال: (هذا كذبٌ؛ ما عِلْمُهُ أنَّ الناس مجمعون؟ ! ولكن يقول: لا أعلم فيه اختلافًا، فهو أحسن من قوله: إجماع الناس).

وكذلك نقلَ عنه أبو الحارث: (لا ينبغي لأحدٍ أنْ يدَّعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا) (?).

فأحمد وأمثاله يقولون: (من ادَّعى الإجماع في مثلِ هذا فقد كَذَبَ، وما يدريه أنَّ الناس أجمعوا، ولكن يقول: لا أعلم منازعًا)، وعدمُ علمهِ بالمنازع لا يُزيلُ بهِ ما بيَّنَه اللهُ ورسوله في كتابهِ وسنةِ نبيه من الدلالة البيِّنَةِ لفظًا ومعنى.

وحينئذٍ، فإذا رأى هذا فلا يَزال يبحث حتى يجدَ الصورة المدعى فيها الإجماع تختص بفرق مؤثرٍ في الشرع، فيكون الله ورسوله قد فرَّقَ بمثلِ ذلك، وإما أنْ يَعلمَ أنَّ في المسألة نزاعًا يَرفعُ ما ادُّعِيَ من الإجماع، وحينئذٍ فيحكِّم الكتاب والسنة، وعلى قَدْرِ علمه بدلالة الكتاب والسنة لفظًا ومعنى وبعدمِ النزاع = يكون ترجيح أحد القولين؛ فمن كانت تلك الدلالة عنده أقوى من ظَنِّ عدم النزاع قَدَّمَ ذلك، ومن كان ظنُّ عدم النزاع عنده أقوى من دلالة الكتاب والسنة على تلك المسألة قوي ما ظَنَّهُ إجماعًا؛ كما فعل أبو ثور وابن جرير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015