ذلك قربة، مثل أَنْ يعتقد أَنَّ تطليق نساءه وترهُّبَهُ طاعة، أو يعتقد قتل نفسه قربة، أو يعتقد أَنَّ امتناعه من أكل الخبز وشرب الماء قربة وكلام الناس قربة، فيقول: لله عليَّ أَنْ لا آكل خبزًا ولا أشرب ماء ولا أكلم في شهر رمضان أحدًا، أو لله عليَّ أَنْ لا أستظل بظلٍّ ولا أغسل رأسي ونحو ذلك؛ فهذا في مذهب أحمد وأكثر السلف عليه كفارة يمين، وَإِنْ كان طائفةٌ من المصنفين في الخلاف كالقاضي وأصحابه يجعلون لزوم الكفارة في نذر المباح والمعصية من مفردات أحمد التي انفرد بها عن الفقهاء الثلاثة، فهو انفرد بعموم ذلك من غير تفصيل. ومذهب الشافعي المنصوص عنه أنه لا شيء عليه. وكذلك الذي ذكره أصحاب أبي حنيفة بأنه لم يقصد حَضَّ نفسه عليه حتى يُجعل يمينا، بل التزمه ليتقرب بذلك إلى الله، والله -تعالى- لم يأمره بهذا، وأولئك يقولون: بل التزامه لله إذا لم يُوفِّ به أبلغ من التزامِهِ بالله، وهو إذا قصد اليمين فإنما تكلم بصيغة الالتزام لله، فصار بذلك حالفًا، وكونُهُ فعلًا لله زاده توكيدًا، فإنَّ هذا موجب الفعل إذا صادف محلًّا، وإنما لم يوجبه هنا لأنَّ الله -سبحانه- لا يوجب معصية ولا مباحًا.
وأما المعنى الموجب للكفارة في النذر الذي يقصد به اليمين، فهو موجود في هذا النذر وزيادة، فلا معنى لإسقاط الكفارة عن هذا.
فصلٌ
وهذه المسائل حجة لمحل النزاع؛ فإنه إذا قال لامرأته: إِنْ دخلتِ الدارَ فلله عليَّ أَنْ أُطلقك لزمته الكفارة في مذهب أحمد، وقد نَصَّ أحمد على ذلك وأبو حنيفة وغيرهما، وهو المرجَّحُ في مذهب الشافعي،