ثم لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود، فقال: يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال: ما عملت عملاً إلا حطبي هذا احتملته فجئت به وكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
بها دفع الله عنه، وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان" (?).
ومعنى الروايتين واضح جلي أن نبي الله عيسى عليه السلام أخبر بموت العروسة بإخبار من الله عز وجل وبوحي منه وخفي على الله - عياذاً بالله - بأن العروسة واليهودي لا يموتان في وقتهما الذي حدد لموتهما العارضة تعرض، وسبب يحدث، كما لم يظهر له - تعالى الله عما يقولونه علواً كبيراً - أن رسوليه يكذبان من قبل المعاندين، ويهزأ بهما من قبل المنافقين، ويتكلم الناس في أمرهما ما يتكلمون، ويكون في أيديهم حجة لتكذيبهم إياهم وللرد على مقولاتهم وأنبائهم فلا يبقى إذاً معنى النبوة والنبوءة.
وعلى ذلك اضطرب القوم في أمر هذه العقيدة الخبيثة، المتفق عليها عند جميع الشيعة كما قال شيخهم المفيد: واتفقت الإمامية على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس (?).
فهذه العقيدة المتفقة عندهم جعلتهم يضطربون عند الإيرادات والإشكالات ولا يجدون عنها مخلصاً إلا بالتأويلات الركيكة والتوجيهات الضعيفة الرخيصة، منها ما التجأ إليه كاتب شيعي دعائي في كتابه الدعائي (المشهور أصل الشيعة وأصولها)، وضعف قوته وفتور همته وقلة حيلته وعدم ثقته بكلامه تتدفق من عبارته وهو يقول:
أما البداء الذي تقول به الشيعة الذي هو من أسرار آل محمد - صلى الله عليه وسلم - وغامض علومهم حتى ورد في أخبارهم الشريفة أنه: ما عبد الله بشيء مثل القول بالبداء، وأنه: ما عرف الله حق معرفته ولم يعرف