عنها. ثمّ كانت بعد صلاح الدّين لفرع من عائلته منهم ملكها المشهور أبو الفداء الحموي. وعندما كنّا وصلنا إلى محطّة حماة وجدناها غاصّة بعظماء الناس وأكابرهم، وكان بعضهم من حكومة حماة ومن رؤساء البيوت الكبيرة فيها مثل زعيم أسرة الكيلاني الشهيرة ورئيس أسرة الأزهري الّتي هي من أفخم الأسر في تلك المدينة. وقد عرفنا من حديثهم أنّ لهم قرابة في مديرية المنيا بالقطر المصري. وكان البعض الآخر من مدينة حلب، وهؤلاء منهم اثنان مندوبان من قبل عطوفة الوالي وهما صاحبا السعادة مرعي باشا ناظر أوقاف حلب والميرالاي (قومندان الجندرمة) واثنان آخران مندوبان من
جهة أعيان المدينة ووجهائها. وقد جاؤوا جميعاً إلى محطّة حماة ليستقبلونا على أطراف ولايتهم، يحملون إلينا سلام دولة الوالي وتحيّة عظماء البلاد وليكونوا أيضاً في خدمتنا وتحت إشارتنا من هذا البلد حتّى نصل إلى بلدهم. وإنه لا غرابة أن ألاقي مثل هذه العناية الفائقة والأريحية العظيمة من عطوفة الوالي ورجال حكومته وأهالي ولايته، بعد أن رأيت شبيهها أو أكثر في حمص وفي كثير من البلاد الشامية، إذ كان هؤلاء الناس الكرام المخلصون يقدّرون ضيوفهم حقّ قدرهم، ويبالغون في إكرامهم وإحسان وفادتهم، ويبلغون بهم من الكرامة إذاً ما هم حقيقون به وأهله. ولقد شكرت هذا الوفد ومن كان واقفاً معهم من أهل حماة من لساني بما كنت أستطيع أن أعبّر به عمّا استقرّ في نفسي من معروفهم الكبير ولطفهم الكثير. وبعد ذلك ودّعنا الحمويين حيث كان قد تحرك القطار، ونزل معنا فيه ذلك الوفد الجليل، فمررنا ببلدة تعرف بمعرّة نعمان، نسبة فيما يقال إلى نعمان بن بشير. وهي من القرى الّتي اشتهرت بالحروب الصليبية، ويوجد فيها خربة مهدّمة يقال إنّها كانت قلعة نعمان. وسألت أصحابنا عن عدد سكّانها الآن فقالوا إنهم يبلغون 7 آلاف نفس. وشاهدنا حول هذه القرية مروجاً وأحراشاً واسعة، يقال إن أكثر غرسها من شجر التين والفستق. ومررنا بعدئذٍ ببلدة تسمّى السرمين، وهي مشهورة بالينابيع والعيون الكثيرة التي تتفجّر من خلال الصخور. ويقال إن في هذه القرية عدداً كبيراً من المغارات والكهوف حيث كان الناس في سابق الزمان يسكنونها ويأوون إليها وإلى بطون الجبال. أمّا أرضها فكان منها الخصب المزروع، ومنها القحل الأجرد بسبب تغلب الملوحة في تربته. أمّا تلك الأراضي المملحة فكانت ترى للمسافر على مسافة