بعيدة من البلد. ثمّ مررنا ببلد يدعى بخان تومان، ويزعمون أنّ هذا الاسم مأخوذ من اسم أحد السلاطين، وعند هذه القرية يشاهد المسافر مآذن حلب من بعيد. ثمّ ما برحنا سائرين ننتقل من بلد إلى آخر

والمزارع من جمالها الطبيعي على ما وصفنا حتّى مررنا بنهر يسمّى قويق، وهو من الأنهار المشهورة في تلك الجهات. أمّا المسافة من تلك النقطة إلى مدينة حلب فكانت تقرب من نصف الساعة بسير القطار وقد كنّا في غضونها نطلّ من نافذة العربة فنشاهد أمامنا على بعد هيكل مدينة حلب جسيماً ضخماً تعلوه مآذنها الشاهقة الّتي هي أوّل ما يظهر للناظرين، وما كدنا نقرب من المحطّة حتّى وجدناها تموج بالمنتظرين من وجهاء المدينة وحكّامها موجاً، وهنا لا أستطيع أن أعبّر عن وصف الابتهاج وشرح السرور الّذي كان يخامر نفسي من العناية الكبيرة والحفاوة التامة الّتي كنت أراها بين لحظة وأخرى من سعادة مرعي باشا ناظر الأوقاف وبقيّة الوفد الحلبي حيث كانوا في أثناء هذا السفر لا يألون جهداً في تعهّد راحتنا وانبساطنا وإعمال ما كان يمكنهم من الوسائط لإدخال الفرح على أنفسنا، وقد كانوا يرشدوننا في الطريق على كل شيء مهم سواء من جهة الزراعة والصناعة أو من جهة تاريخ البلاد الّتي كنّا نمرّ بها وأحوال السكّان وعوائدهم في بلادهم وآثار القدماء في تلك البقاع ذلك فضلاً عن أنّهم كانوا يراسلون بواسطة السلك البرقي جميع المحطّات الّتي كان يرسو عليها القطار في طول السكّة ويهتمّون جدّاً بخروج الناس لاستقبالنا على المواقف عند مرور القطار حتّى وصلنا بسلامة الله إلى محطة حلب.

في محطة حلب

وقف القطار فكان الصالون الخاص بنا محاذياً تمام المحاذاة لموقف صاحب العطوفة فخري باشا الوالي، وما أوشكت أن أنزل من باب العربة حتّى أسرع عطوفته إلى مقابلتنا وتهنئتنا بسلامة الوصول إلى بلدهم. وبعد ذلك أخذ يقدّم إلينا حضرات المستقبلين واحداً واحداً، وكان في أوّلهم صاحبا السعادة توفيق باشا، قومندان عسكر الأردي السابع في ولاية حلب، وأسعد باشا جابري، ثمّ حضرات

العلماء فالرؤساء الروحيين. ولمّا أن انتهينا من مصافحتهم والسلام عليهم، ذهبنا إلى قاعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015