ومحاصيلها الزراعية بمختلف أنواعها وأصنافها. ويسرّ الإنسان أن يرى لهذه التجارة البلدية ربحاً كبيراً ورواجاً عظيماً بين سكّان المدن والضواحي، لأنّ جميع الحاجيّات متوفّرة في أسواق هذه البلاد، وكلّها والحمد لله من البضائع الشرقية الجميلة. وأمّا ما يوجد من التجارات الأجنبية في بعض المدن، ويكون له رواج فيها بحكم مركزها الجغرافي، فهو قليل في جانب التجارات المحلية بنسبة محسوسة.
أمّا أراضي هذه البلاد، سواء الزراعية منها وغير الزراعية، فإنّها لا تبرح حتّى الآن في أيدي الوطنيّين يتبادلونها ملكاً وانتفاعاً. لاحظت ذلك في أغلب الجهات
الّتي شارفتها، وما علمت أنّ لأجنبي ملكاً بين أملاكهم ولا ضيعة وسط ضياعهم كما يشاهد ذلك في غير تلك البلاد خصوصاً في مصر. وأمّا اللّغة الّتي تجري بها تخاطب القوم وتستعمل في محاوراتهم فهي اللغة العربية الّتي لا تفتأ سائدة على جميع اللغات في تلك البقاع، وإن كنّا لاحظنا أن لهجات الناس تختلف قليلاً باختلاف الجهات: فلهجة الدمشقيين كانت غير لهجة الحلبيّين، غير لهجة البعلبكيين، بفرق غير كبير. وقد تقدّم مثل هذا في الرحلة، مع ما يفيد أنّ الخطاب بين السوريّين والأجانب يحصل غالباً باللغة الفرنساوية.
وأمّا عوائد الناس وأخلاقهم وأزياؤهم، فإنّها لم تختلف عن حالتها الفطرية إلا قليلاً في بعض الجهات الّتي يكثر فيها وجود الأجانب كالشواطئ والمراسي التجارية الشهيرة. وبديهي أنّ الاختلاط الّذي أساسه المعاملة والأخذ والرد يكون مدعاة إلى تحوّل الطبائع وتغيّر الأخلاق. إن الارتياح الكبير الّذي يدبّ في نفس الراحل، عندما يشاهد حالة تلك البلاد الحاضرة واحتفاظ أهلها بما كان عليه آباؤهم وأسلافهم من التقاليد والعوائد، ينبّه الإنسان في الوقت نفسه إلى ما يدّخره المستقبل لهذه البلاد، فلا يلبث أن تساوره الأحزان وتواثبه الآلام، خوفاً وإشفاقاً عليها أن تقع - لا قدّر الله - فيما يُعقِبُ الحسرة والندامة. لا شكّ أنّ الانقلاب العظيم الّذي أدركناه ولا نزال ندركه كلّ يوم في جزء كبير من الشرق ونتألّم منه، خصوصاً في مصر، بسبب كثرة الأجانب وانتشارهم في عموم القرى والحواضر تقريباً، حتّى أصبح معظم البلاد الشرقية يضاهي بلاد الغرب في غالب الأحوال. هذا الانقلاب يبدل من طمأنينتنا قلقاً ومن صبرنا جزعاً، ويجعلنا دائماً في خوف شديد على مثل بلاد سورية. وإنّه