من مسافة الفرق بينهما بعد ما يجده من غيرهما. ولا نستغرب أن نجد أنّ مجموعة العوائد والأخلاق في الشام تشبه من معظم الوجوه مجموعتها في مصر، إذ كان الشرق أبا القبيلتين ومربّيهما معاً، على أنّ علّة اِكتساب الأخلاق والصّفات لا بدّ أن ترجع إلى اِختلاط الناس وامتزاجهم بعضهم ببعض مهما اختلفت مطالع الشموس وتباينت منازع النفوس، وأنه كما قد تتقوّى العلائق

وتتوثّق الروابط بين الناس وتتضاءل وتضعف على نسبة ما يكون من المعاشرة، ويقع من الاختلاط قوّة وضعفاً وكثرة وقلّة، كذلك يكون الحال في تشابه أخلاق الناس وعاداتهم سواء في ذلك ما كان من التشابه بين الآحادِ والأفراد وما كان منه بين الأمم والجماعات. ومن أجل هذا نشاهد أنّ كثيراً من الغربيّين قد أكسبهم طول العشرة لأهل الشرق خلقاً غير خلقهم وعادة خلاف عادتهم حتّى تراهم فلا تكاد تفرّق بينهم وبين الشرقيّين إلا في قليل ممّا قويت فيه ملكاتهم وفطرت عليه غرائزهم. كما أنّا نرى مثل ذلك في كثير من أبناء الشرق وما كان يكون هذا أصلاً لولا شدّة الاختلاط وطول المعاشرة، وإن كنّا لا ننسى أيضاً أنّ من المراجع القويّة والأسباب المهمّة في ذلك عشق العادة والميل إلى تقليدها في الغير كما يشاهد في كثير من المقلّدين الّذين بالغوا في تقليد الأجنبي إلى حدّ أنّهم عادَوا عوائدهم وكرهوا تقاليدهم. على أنّه كثيراً ما ينطبع في بعض الناس خلق غيره ويقوى فيه إلى درجة أن يصير منه بمنزلة طبعه وسجيّته وعدوى الطبائع معروفة، كعدوى الأدواء سريعة الانتقال صعبة الزوال. ومن ثمّ كان ينبغي أن يحتاط الإنسان ما أمكنه من مجالسة ذوي النفوس الخبيثة والأخلاق الرديئة وأن يتخيّر أصحابه وذوي مجلسه دائماً من الحكماء والأدباء وأرباب النظر البعيد والرأي السديد، فإنه ما أخلق صاحب هؤلاء أن يستفيد دون أن يخسر، وأجدر جليس الجهّال والسفهاء أن يخسر دون أن يستفيد، وفي هذا المعنى يقول الشاعر العربي:

مجالسةُ السفيهِ سفاهُ رأيٍ ... وَمِن عقلٍ مُجالسةُ الحَكيمِ

فَإنّكَ وَالقرين معاً سَواء ... كَما قُدّ الأديمُ منَ الأديمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015