ركابنا في حفلة حافلة، تشخص إليها أبصار المحتشدين على طول الطريق وعرضه. أمّا الموكب فكان رسميّاً منتظما، ً حيث كان يسير خلفنا وأمامنا بعض الجند السواري على الهيئة الّتي وصفناها حال حضورنا من الميناء حتّى الفندق. وكان طريق مرورنا من وسط شوارع المدينة الّتي كانت غاصّة من الجانبين بالأهالي على اِختلاف أعمارهم وتفاوت أقدارهم. وكان سروري يتجدّد كلّما كنت أرى أولئك النّاس متشبثين بالعوائد الشرقيّة ومتمسّكين بالملابس القديمة والأزياء الفطريّة. ثمّ كنت أشاهد كثيراً من العامّة يتّخذون مجالسهم من المحال العمومية كالقهاوي والحوانيت التجاريّة ويتعاطون من المكيّفات المباحة ما جرت به عوائد
معظم الناس في جميع الجهات تقريباً. فمنهم من كان يدخن بالأنابيب الّتي تصنع عادة من أغصان الياسمين وتتحلّى مباسمها غالباً بالكارم الأصفر الجميل، وهي عين ما كان يستعمله المصريّون للتدخين من عهد غير بعيد، ويسمّى في متعارف أصحاب الكيوف بالشبك. ومنهم من كان يدخّن بالنارجيل على نحو ما يشاهد في القهاوي في مصر غير أنّ اِستعمال هذا النوع في بلاد الشام أكثر منه في البلاد المصريّة. وبعضهم كان يتعاطى القهوة وآخر يشرب الشاي إلى غير ذلك ممّا يشبه أن يكون نسخة طبق الأصل من عوائد المصريين في بلادهم. ولهذه المناسبة نذكر هنا كلمة عن الأخلاق ممّا تعرّفناه في تلك الرحلة، لعلّ القارئ يدرك منها نسبة ما بين العناصر الشرقية بعضها إلى بعض على ما بينها من تباعد المواطن وشتات الأماكن وتباين الأسباب والعلل واِختلاف الملل والنّحل، ثمّ نعود فنذهب في طريقنا إن شاء الله.
إن ما صادفناه من عوائد أولئك الشاميّين في محافلهم ومجالسهم ليس في الغالب ممّا يختص بالشاميّين دون سواهم، بل هو يكاد يكون عامّاً يشاهده الإنسان في جهات كثيرة ويعرفه في عوائد أكثر الآدميّين الشهيرة. غير أنّ الناقد الّذي يتبيّن فاضل الأشياء من مفضولها، ويميّز أجناسها من فصولها ويرجع بفروعها إلى أصولها، عندما يعنى بالتنسيب ويقايس بين أخلاق أهل الشام وبين أخلاق أهل مصر لا يجد