ويقول آخر:

لا تَصحبِ الكسلانَ في حالاتهِ ... كَم صالِحٍ بِفساد آخرَ يفسدُ

عَدوى البليد إلى الجليدِ سَريعة ٌ ... وَالجَمرُ يوضعُ في الرمادِ فيخمدُ

وبالجملة فإن الإنسان من حيث هو إنسان له من أصل فطرته استعداد تام لقبول كلّ ما يدخل عليه من خير أو شر، كمثل المرآة تنطبع فيها صورة ما يعرض عليها من حسن أو قبيح. لذلك هو يستطيع أن يتحوّل كيف شاء متى شاء. فالشرقيّ الّذي نبت في صميم الشرق وتربّى على مبادئه يمكنه أن يكون وقتاً ما مضاهياً لأبناء الغرب حتّى كأنّه رضع مع اِبن الغربية من ثديٍ واحد. وما كنّا لنستغرب أن نرى أبناء الشام يشبهون أبناء مصر في تقاليدهم وعوائدهم ونحن ندرك ما بين الشعبين من كثرة الاجتماع وشدّة الاختلاط لأسباب ووجوه متعدّدة منها تبادل التجارات الشرقية واتحاد اللّغة وقرب الحوار، ذلك فضلاً عن كونهما من الحكومة العثمانية بمثابة عضوين من جسم واحد.

عود إلى بدء

هذا وقد كنت أرى قطرات من الخيل تمرّ في طرق المدينة مثقلة بالأحمال، كما تسير قُطُرات الإبل في بلاد العرب فأستأنس بهذا المنظر الشرقيّ وأرتاح له ارتياح الظمآن عند رؤية الماء، حتّى إذا نحن وصلنا إلى سراي الولاية الّتي كانت واقعة في وسط المدينة (وقد ألفيناها من الخارج كبيرة الحجم ضخمة البناء إلا أنّها كانت بسيطة المنظر لا يرى عليها من الوشي والزخرف ولا من جمال الزينة ما تتحلّى به عادة قصور الحكّام والأمراء) أشرنا إلى مَن كان معنا من الجند باِنتظارنا لدى الباب الّذي دخلنا منه، حيث هناك كان (القراه قول) يؤدّي لنا مراسم التحيّة والإجلال. وما أوشكنا أن نصعد على سلّم السراي حتّى كان قد اِستشعر دولة الوالي بقدومنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015