ورأيتها، وثانياً ما أنبّهك إليه من أنّه لا معنى لأن أميراً مسلماً شرقياً في بلاد إسلامية شرقية، وفي ضيافة وحماية المسلمين الشرقيين، وهو
منهم بالنظر الّذي لا يستوي فيه كل ّالناس، ثمّ هو ينسلخ عن تقاليده وعوائده وربّما تساهل بعض الشيء في دينه. كلّ ذلك، هو يفعله لغير سبب إلا مجرد الخضوع للعادة في زيارة كلية. أمّا أنا فلست ممّن يقدّس العادة أو يخضع لحكمها، كائنة ما كانت. فلتكن هذه عادتكم في مدرستكم، أمّا أنا فمخيّر في أنّي لا أزور إلا ما أشاء، فانظر يا جناب الرئيس بعد ذلك ماذا أنت صانع. أمّا هو، فلمّا يئس ولم يجد بعد الجهد والاحتيال إلا إباءً شديداً، رجع عن فكرته مقتنعاً بما قلناه. ثمّ ذهب إلى المعبد، وترك معنا أربعة من التلاميذ المصريّين ليرشدونا إلى مكتبة المدرسة، ريثما يؤدّي رئيس الكليّة صلاته. فذهبنا ومعنا أولئك الطلبة إلى دار الكتب الخصيصة بتلك الكلية، فاطّلعنا عليها. وكان التلاميذ يرشدوننا إلى ما كانت تحويه تلك المكتبة النفيسة. ومنها ذهبنا إلى المتحف الّذي توجد فيه مجموعة كبيرة من حيوانات محنّطة مختلفة أنواعها فاطّلعنا عليها وقضينا منها مأربنا. ثمّ توجهنا إلى معمل الكيمياء والطبيعة، وإلى جملة معامل أخرى فزرناها، وكنّا في غاية السرور بما كنّا نجده من أدب التلاميذ ولطفهم. وبينما نحن نسير بين تلك المعامل، إذ حضر إلينا جناب الرئيس وراودنا إلى زيارة المدرسة، فمررنا من الطريق المؤدّي إليها أوّلاً بحديقة متّسقة فسيحة، وشاهدنا في خلال ذلك الطريق دوائر كثيرة وغرفاً للتلاميذ حتّى انتهينا إلى قاعة واسعة كانت هي الّتي أعدّت لاستقبالنا. وكان فيما تشتمل عليه تلك القاعة صورة سمو الجناب العالي الخديوي، مكبّرة محفوفة بإطار كبير جميل، وكراسي متعدّدة. وهناك كان ينتظرنا جناب قنصل أمريكا وعدد عديد من أساتذة الكلية ومعهم نساؤهم، فرحّبوا جميعاً بمقدمنا واستقبلونا بكلّ حفاوة واحترام. وبعد أن تبادلنا التحيّة واستقرّت بنا مجالسنا، قام جناب ناظر المدرسة وتلا على مسامع الموجودين خطاباً رشيق العبارة، استهلّه بالكلام على فضل مصر والمصريين، ثمّ امتدح الأسرة الخديوية بأعمالها الجليلة في تاريخها
الغابر والحاضر. وبعد ذلك رحّب بنا وأهّل، شاكراً لنا زيارتنا لمدرستهم. وما أوشك أن يفرغ من مقالته، حتّى قام أحد التلاميذ المصريّين، بالنيابة عن جميع إخوانه في تلك الكلية، وخطب أيضاً خطبة جميلة كانت لا تخرج عن