دام يوافق ديني. لذلك تراني لا أبالي أن أزور بيع النصارى وصوامعهم وأجتمع بقسسهم ورهبانهم، كما لا أخشى أيضاً أن أشاهد عبادتهم وصلاتهم، بل قد طالما دخلت المعابد والكنائس في بلاد أوروبا، عندما كانت تقام فيها الحفلات الكبيرة لتتويج القياصرة والملوك، وعند غير ذلك أيضاً. وقد زرت الفاتيكان في رومة ومواضع كثيرة من هذا القبيل، وأصحابي من النصارى وغير النصارى كثيرون جدّاً. وماذا عليّ لو أزور المعابد وأحضر الدعاء، وأنا معتقد ملء صدري أنّ ديني لا يخالفني على شيء من ذلك، بل إن
استكناه الأشياء والوقوف على حقائق الأمور وماهياتها ممّا يحثّ الدين الإسلامي عليه بلا نزاع. فلا تظنّ، إذاً يا جناب الرئيس، أنّي إذا لم أوافقك على ذلك الطلب أكون متعصّباً دينياً أو أنّي أخشى شيئاً آخر، معاذ الله. ولكن إذا أردت أن تفهم منّي علّة امتناعي من دخول المعبد وحضور الصلاة فيه، فأنا أقول لجنابك بما اعتدته من الصراحة أنّني اليوم في بلاد شرقيّة، ثمّ أنا أمير مسلم شرقي أيضاً، ولا يتّفق أن أكون كذلك وأن أجري على العوائد والتقاليد الغربية. وإنّه إذا صحّ أنّ الإنسان يصبغ نفسه في بعض الأحيان صبغة غير صبغته، ويجري على مبدئه وعادته، فذلك إنّما يكون عندما تحيط به ظروف مخصوصة، وتقتضيه إلى ذلك دواعٍ قوية لا يجد له منها مفرّاً دون أن يفعل. أمّا والإنسان له من الشيء مندوحة وسعة، وسواء عنده أن يكون ذلك الشيء وأن لا يكون، فإنّه بالطبع في حلّ من أن يختار لنفسه ما يلائم فطرته ويتّفق ومصلحته. فقال: إنّي أوافق دولتكم على فكرتكم هذه، وهي عندي سديدة صحيحة، لو أنّه كان هناك عبادة وصلاة حقيقة. أمّا وليس ثمّت إلا مجرّد مقالة عادية تتلى على مسمع من دولتكم في ذلك المعبد، فإنّي لا أرى في تفضّل دولتكم بإجابتي إلى ملتمسي ما لعلّه يؤخذ عليكم أمام ضميركم أو أمام المسلمين، ولا ما عساكم تنفرون منه وتكرهون حضوره. فقلت له يا جناب الرئيس إنّي قلت وما زلت أقول لجنابك: لم يكن من عادتي أن أتكلّف فعل ما لا أريده، وإن إقامة الصلاة على هيئتها الحقيقية لم يكن هو المانع لي من تلبية مطلبك، فإنّه سواء عندي أن تكون الصلاة حقيقية أو صورية، أو أن لا تكون صلاة أصلاً. وإنّما يمنعني من ذلك أوّلاً أنّه ليس لي فائدة من زيارة معبد قد زرت كثيراً مثله في أوروبا وغيرها، كما أنّه لا معنى لأن أحضر حفلة صلاة كثيراً ما شهدتها