يحمل وحده صندوقنا الكبير فعجبنا من قوّة ذلك العبد لأن الصندوق كان قد وصل من الثقل إلى حيث لم يتصوّر أن يحمله واحد فقط ولذلك أعجبنا بهذا الأسود القوي إعجاباً عظيماً، وحينئذٍ مالت نفسنا أن نخاطبه ببعض كليمات ترتاح إليها نفسه ويأنس بها طبعه، على عادتنا مع كلّ شجاع نشيط حيث إنّ لنا ميلاً خاصاً إلى الشجعان الأقوياء، فخاطبناه بما دلّ على ميلنا نحوه على أنّنا كافأناه وأجزناه فوق أجره بما شرح صدره وسرّ خاطره.
وقد كنّا طوينا العزم على ردّ بعض الزيارات في هذا اليوم لمن كانوا قد خفّوا لاستقبالنا وزيارتنا مرّة بعد أخرى، ورأينا أن نبادر بذلك حتّى لا يفوتنا أداء ما استحقه علينا أولئك القوم تلقاء ما لاقيناه من حفاوتهم وكرمهم وحتّى نتفرّغ
لمشاهدة ما يهمّنا أن نطّلع عليه في تلك المدينة إذ ليست مدّة إقامتنا فيها إلا ساعات. لذلك أوعزنا إلى الفندق أن يشعر بعزمنا هذا دولة الوالي الّذي اِستحسنّا أن نردّ زيارته في دار الحكومة ودولة متصرّف جبل لبنان الّذي كان في هذا الحين مقيماً في مدينة بيروت وجناب قومندان العسكر الشاهانية وقد رأينا أيضاً أن نزور هذا الأخير في مقرّ سلطته، وإنّما أشعرناهم بذلك لكي يستعدّوا لمقابلتنا في المواضع الّتي تخيّرنا زيارتهم فيها، ثمّ إني طلبت إلى بعض خدمي إحضار الملابس المعتادة في الزيارات الرسمية فلبستها وكنت قد اِستوفيت اِستعدادي كلّه لهذا الغرض في مسافة لا تزيد عن ربع الساعة.
نزلنا من الفندق وكنّا نحسب أنّنا سنذهب على تلك المركبات العامة الّتي يستأجرها النزل لمعامليه في ضمن ما يلزمهم، ولكنّا وجدنا جملة عربات خاصّة قد أرسل بها إلينا بعض أعيان المدينة الكرام فركبت إحداها، وكان معي حضرة الفاضل أحمد بك العريس. وركب عربة ثانية البكباشي خيري أفندي وذلك الضابط الّذي أسلفنا أنّه مندوب الحكومة لخدمتنا. وكانت لنا الكفاية من هاتين العربتين. ولعلّ السبب في إرسال تلك العربات أنّهم لم يجدوا من مركبات الإيجار ما كان يوافق