وبعدئذٍ قدّمت لنا عربة سعادة عمر باشا الخاصّة الّتي كانت تنتظرنا في التل، فركبناها وركب معنا حضرة عزيزنا أحمد بك العريس. وكان أمام عربتنا، ومن ورائها، ثلّة من عسكر الجندرمة على الترتيب الّذي أسلفناه. وكان، خلف ركابنا مباشرة، عربة حضرتي الفاضلين علم الدين بك وشقيقه اللّذين جمعنا بهما حسن الحظّ في ذلك الموضع، وهمّا يقيمان الآن في مدينة طرابلس في جهة الميناء. وقد كانا قبل ذلك في مصر، ولهما نسبة خاصّة بالبيت الخديوي، منذ حياة المغفور له، ساكن الجنان، والدنا. ولذلك كان لعلم الدين هذا أمل وطيد في أن نكون ضيوفه مدّة إقامتنا في بلدهم، حتّى أنّه ألحّ كثيراً في دعوتنا إلى ذلك ولكنّنا كنّا أجبنا سعادة عمر باشا العكاري، الّذي كان قد سبقه بالدعوة، وهو الرأس الأكبر في قبائل العكاكرة والزعيم الوحيد الّذي إليه الرجع في شؤونهم وأمورهم. فلم يبق في الوسع إذ ذاك سوى الاعتذار إلى علم الدين بك العذر المقبول، غير أنّه أبى مع
هذا أيضاً إلا أن نتناول لديه طعام الغداء قبل مبارحة طرابلس. وقد أجبناه، حيث لم يكن ثمّت مانع، وشكرنا معروفه. ثمّ كان وراء عربتهما عربات أخرى يركبها أتباعنا مع المتاع. فسرنا تكلؤنا رعاية الله وتحوطنا عنايته، بينما كان الفرسان المتسابقون يحيطون بركابنا من جميع الجهات. وما برحنا بين هؤلاء الجموع ننحدر على طريق التلّ، والمناظر الطبيعية البديعة كانت حولنا، في طول ذلك الطريق المنحدر وما بعده، من أبهج ما نظرته العيون وانتعشت به الأرواح، إلى أن بدت لنا معالم طرابلس، قائمة على شاطئ البحر. وكنّا، ونحن سائرون، نستنشق في نسمات الشمال روائح ذكية تفوح علينا من أزاهير اللارنج والبرتقال، على مسافة ساعة من البلد تقريباً. وعندما كنّا والمسافة بيننا وبين المدينة تقرب من نصف الساعة، وجدنا في استقبالنا جمهوراً عظيماً من فرسان العكاكرة، حيث كانوا ينتظروننا في تلك الجهة، وعلى مقدّمتهم ذلك البطل الباسل سعادة عمر باشا العكاري، ممتطياً جواداً أزرق اللون محكم