ولم أكن فارساً ضمن أولئك الفوارس الشجعان فأركض فرسي لتعدو سريعة في ذلك الميدان. وكان يكثر نزوعي إلى مباراتهم كلّما كنت أنظر إليهم فأشاهد خفّتهم على الأفراس، وهم يذهبون بها هنا وهناك، تارة يهيجون وأخرى يدافعون وآونة يسرعون وأخرى يبطئون.
يسافر الإنسان إلى أقاصي البلدان ويرحل عن وطنه أحياناً لباعث مخصوص وقصد معلوم ثمّ يتّفق أن يعترضه في طريق رحلته شيء أو أشياء كثيرة لم تكن لتدور من قبل في خلده أو تخطر له ببال، ثمّ كثيراً ما يصادف أن يكون بعض الشيء من ذلك هامّاً خطيراً إلى درجة أن ينسى معه الإنسان غرضه الذاتي. وربّما لم ينسه ولكن يهمله إهمالاً، ويعنى بذلك الشيء العارض، ويحصر كلّ عمله فيه. وهكذا تتفاوت الأمور وتتباعد مراتبها، وكلّ أمر يأخذ من عناية الإنسان واجتهاده بقدر أهميّته في نفسه أو مركزه من الفائدة والمنفعة، في اعتقاد صاحب العمل. وقد قيل: احترام كلّ شيء إنّما يكون بقدر الحاجة إليه. عرف القارئ من مجمل ما تقدّم بالضرورة أنّ سياحتنا في بلاد سورية كان القصد منها، أوّلاً، يدور حول ثلاثة أغراض لا يخلو منها جملة مسافر في الغالب. الأول: تبديل الهواء طلباً للصحّة والعافية، الثاني: مشاهدة معالم المدن الشهيرة في سهول الشام وعلى جبال لبنان، الثالث: الاطّلاع على كرائم الخيل العربية والشامية الّتي تمتاز بها هذه البلاد منذ العصور القديمة. وقد كان هذا المقصد الأخير من أهم
بواعث السفر وأعظم أسبابه. ولقد بحثنا جهدنا ونقّبنا آخر ما كان يمكننا عن تلك الخيل، لعلّنا نصل منها إلى غايتنا، فلم يتّفق أن نرى في نتيجة هذا البحث سوى الخيل العادية التي لم تطابق رغبتنا، ولم تكن لتمتاز في نظرنا بوجه من الوجوه. ذلك كان على الرغم من أنّ الصدفة خدمتنا كثيراً في هذا الموضوع وساقت إلينا، فيما ساقته من ذلك النوع، أكثر ممّا سعينا إليه، وتعرّفناه بأنفسنا في غير مرة وغير مكان. هذه كانت مقاصدنا الذاتية وأغراضنا الجوهرية الأولى. ولكنّنا صادفنا، في غضون السياحة، من أخطر