الدنادشة، وهم أحداث تتراوح أعمارهم بين السابعة
والعاشرة، ومع ذلك فإنهم كانوا يحسنون الركبة مثل ما يحسنها آباؤهم وكبارهم. كما كانوا يتقنون اللعب ويتفننون فيه كأنّهم مارسوه من زمان كبير. ولا بدع أن يكونوا كذلك، إذ قد تربّوا على الشجاعة منذ نشأتهم واعتادوا على الفروسية وركوب الخيل بكثرة التدرب والتمرين.
ثمّ دخلنا في ميدان فسيح، وكان لم يمض على سيرنا أكثر من ثلاثة أرباع الساعة. وهناك كان ينتظرنا عدد كبير من الخيّالة، ومعهم البكوات الباقون من عشائر الدنادشة، فاجتمع الفريقان وصاروا ركباً واحداً. ونحن لا نفتأ نتابع السير حتّى وصلنا إلى تل كلخ، وهو واقع في الحدود الفاصلة بين ولايتي بيروت ودمشق، وفي آخر حدود الدنادشة. وإذ ذاك كنّا قد دخلنا في وقت الظهر وحان ميعاد الغداء، فذهبنا إلى بيت حضرة محمّد بك محمد وهو زعيم مشايخ عربان الدنادشة، ونزلنا عليه ضيوفاً، بعد أن طلب إلينا ذلك بإلحاح الكرماء. وكان ينتظرنا هناك بعض مستخدمي الحكومة. وقد قدّم إلينا الطعام على مائدة كبيرة تسع عشرين نفساً، وكانت على النمط الأوربي، وفيها ألوان عديدة وأصناف كثيرة متنوعة، فأكلنا متلذذين من حسن الطعم وإجادته. أمّا الركب الّذي كان معنا، وقد عرفت كثرتهم، فقد كانوا يأكلون جميعاً موزّعين على عدة موائد وطعامهم كان قاصراً على الأرز واللحم، ولم يكن ذلك ليدهشني لأنّي لا أستغرب أن يجتمع على موائد هؤلاء العرب عدد كبير كالّذي رأيناه أو أكثر. وأنا أعلم أنّ العرب قوم جبلوا على الكرم وطبعوا على البذل والسخاء، وإنّما الّذي كنت أعجب منه عجباً شديداً هو تجهيز مائدة على الطراز الغربي الصرف، وأنّ القوم عرب شرقيّون من سكان الجبال. ثمّ بعد أن تهيّأنا للسير، شكرنا لحضرة محمد بك محمد تلك العناية العظمى، وأثنينا كذلك على عشائره الكرام لما بذلوه من الهمّة والمعروف. وقد اجتذبني إلى هؤلاء العرب جمال هندامهم وحسن بزّتهم. وكان بودّي لو أن تطول
عشرتي بينهم لأتمتّع كثيراً برؤية منظرهم الجميل لولا أنّ الوقت قصير محدود، على أنّي لم أبارحهم حتّى عمدت إلى أخذ صورتهم بواسطة الفوتوغراف، لأحتفظ بها تذكاراً لهم على طول الزمان. وبعد ذلك أخذنا نسير بين الفرسان على الهيئة الّتي بيّناها أولاً. وإنّي على قدر ما كنت فرحاً مسروراً بهذه المظاهرات الجليلة، كنت آسفا من أنّي راكب عربة