عثمان آغا، وهو يمتاز عن إخوانه بحب الظهور عليهم في الفروسية وخفّة الحركة. وحقيقة، كان هذا الفارس العجيب يبدي أمامنا من ضروب المهارة في الغدوّ والرواح والصعود والهبوط على الصخور الجبلية ما كنّا نعجب منه غاية العجب، وكذلك
كان له حذق غريب في عبور النهر وهو فوق حصانه الّذي كان يعدو تارة في الأرض وأخرى في الماء، أسرع من الطير وأخفّ من الهواء، حتّى استغربنا أيّ استغراب من جسارة هذا الرجل الفارس وجراءته المدهشة على ركوب الخيل بتلك الكيفيّة التي كانت فوق التصوّر. وما زلنا كذلك حتّى دخل بنا الطريق في مضايق بين جبلين، فكنّا بين أن نصعد مسافة على فوق ونهبط أخرى إلى تحت. وكان لا يزال على جانب عربتنا حضرة محمود بك، وهو ممتلئ رجولية وشهامة، لاسيما وأنه طويل القامة عظيم الشارب كبير الأهداب، تتجلّى فيه الفروسية بأخصّ أوصافها وأجلى معانيها، وهو مع ذلك مهيب وقور.
وقد حدث في أثناء السير أنّ فرساً من أفراس الركب، لا أدري لمن، كان ضرب فرس ذلك البك في ذراعه الأيمن، فجرحه جرحاً بليغاً ما زال يشخب دماً حتّى صبغ ساق ذلك الفرس المجروح بالدم فاحمرّ، بعد أن كان أزرق اللون. وقد خفت على هذا الفرس المصاب أن يهلك تحت راكبه لأنّ الجرح كان خطراً، حيث كان النزيف مسترسلاً بقوّة. ومن ثمّ طلبت إلى محمود بك أن ينزل عنه إشفاقاً عليه ورحمة به. أمّا هو فما كان ليهمّه أصلاً أن يموت الفرس أو يعيش، ما دام في صحبتنا وضمن رفاقنا، حتّى قال حفظه الله ما معناه: إنّي لأجعل فداءك نفسي، وما فرسي بأعزّ عليّ منها. ثمّ تأخّر عنّا نحو دقيقة، وقد كنّا حسبنا أنّه نزل عن الفرس، ولكنّه ما لبث أن جاء إلى جانبنا كما كان، ورأينا أن ليس على فرسه أثر الجرح ولا ذلك الدم الّذي رأيناه وقت الحادثة، وكان ينزف نزيفاً. ففهمنا أنّه كان في تلك المسافة الصغيرة يعالج الفرس، ولكن لست أدري بماذا عالجها، وأي دواء يصل مفعوله من السرعة إلى هذا الحد. وقد عرفت أنّ بعض الفرسان المهاجمين كانوا من أبناء البكوات