دخلنا الفندق، وكان ينتظرنا عند مدخله صاحبه ومديره ومندوب من قبل شركة كوك، وهؤلاء أرشدونا أوّلاً إلى الحجرات الّتي خصّصت لأجلنا هناك، حيث كنّا أرسلنا قبل قيامنا من مصر إشارة برقيّة إلى صاحب هذا الفندق بإعداد الغرف اللازمة لنا فيه. وبعد ذلك دخلنا البهو ومعنا دولة الوالي الّذي كان لا يزال مرافقاً لنا، فجلسنا نتبادل من الحديث ما كان لا يتجاوز الترحيب منه بنا والشكر منّا له. وما لبثنا إلا ريثما تناولنا القهوة مع دولته حتّى وفد إلينا ثانية جميع الّذين كانوا قد خرجوا لمقابلتنا في الباخرة وعلى رصيف الميناء، فاستقبلناهم بغاية الحفاوة شاكرين لهم تكرر الزيارة، معترفين لأصغرهم قبل أكبرهم بذلك الجميل العظيم والمعروف الكبير. ثمّ مكثنا طويلاً نتحدّث، وقد تناول حديثنا أطرافاً عامّة كان
منها أن سألونا عن المدّة الّتي قدّرناها لزيارة مدينتهم. وما كدت أن أخبرهم بأنّي سأبارحهم ثاني يوم قاصداً إلى مدينة دمشق حتّى نهضوا جميعاً مستغربين ذلك الخبر، وأخذوا يلتمسون منّا بإلحاح شديد أن نطيل إقامتنا بينهم، وأنّ أقلّ ما يرجونه من المكث في ضيافتهم هو أربعة أيام. وإذ وجدت أنّ هذه المدّة كبيرة لا تتّفق هي وما كنت رسمته في خطّتي من قبل، أسفت كثيراً لأنّي لم أستطع إجابتهم على وفق عرضهم، حيث كان الوقت ضيّقاً وكان السفر أمامنا طويلاً. على أنّي وعدتهم بالإقامة في بلدهم يومين عند العودة، إن شاء الله، إجابة لملتمسهم. ثمّ اِستأذننا دولة الوالي في الانصراف، فرافقناه إلى أن ركب العربة شاكرين له ما أبداه لنا من العناية والاهتمام. وقد اِنصرف على أثره حضرات الزائرين أيضاًَ مودّعين منّا بمزيد الشكر والثناء. كلّ هذا والخدم لم يزالوا متأخّرين، وما ندري وقتئذٍ إذا كانوا في الطريق أم ما برحوا موجودين في الباخرة. وكان يهمّنا حضورهم سريعاً بالمتاع وفيما نحن ننتظرهم بفروغ الصبر إذ رأيناهم يصعدون على سلّم الفندق وبينهم عبد أسود كان