نحو مائة وخمسين فارساً مصطفّين على خيلهم أمام تلك الخيمة بغاية النظام. وقد كان بين ظهرانيهم فتاتان من بنات العرب مثقلتين بالحلي على لبوسهما العربي اللطيف، وفي إحدى يدي كلّ واحدة منهما سيف وفي الأخرى منديل، ثمّ هما كانتا تغنّيان بين هؤلاء الفرسان لأجل تشجيعهم وتهييج عاطفة الفروسية فيهم. وقد نزلنا من العربات ودخلنا ذلك الصيوان، وبعد أن أخذنا منه مجالسنا قدّمت لنا القهوة ثمّ الشراب. ولم نلبث بعد أن شربناهما إلا مسافة عشر دقائق، ثمّ قمنا فمررنا أمام أولئك الفرسان الّذين كان يركب أغلبهم أفراساً تتبعها أولادها المهارة. وإذ ذاك أخذ العرب الخيالة يتبارون في اللعب ويتغالبون على الخيل، وفي أيديهم بنادقهم
على نحو ما يرى في الملاعب والميادين، ممّا يسمّى في عرف العامّة بالبرجاس. وقد خفت حينئذ أن ينفلت رصاصهم على غير عمد فيصيب أحداً، لأنّ بنادقهم كانت من الطراز الحديث، وهي من النوع الّذي لابدّ لإطلاق عبوته الهوائية من وجود الظروف الرصاص فيها أوّلاً. ولذلك طلبت إليهم أن يكفّوا عن الضرب في ذلك الملعب. وفي تلك الأثناء كانت البنتان تدوران حول الخيالة من هنا وهناك، وتترنّمان بأناشيد الحبّ ونغمات الطعن والضرب. فكانتا تنبّهان بذلك الغناء المؤثّر عواطف الفوارس، وتحرّكان فيهم غريزة الحميّة والشجاعة حتّى أخذت الحماسة من نفوسهم مأخذاً عظيماً. وما زالوا كذلك حتّى ركبنا العربات وركب حضرة محمود بك فرساً وسار بجانب عربتنا، وتبعه جميع الخيّالة من خلفنا وأمامنا وعلى جانبينا أيضاً، وهم بين أن يعدوا سراعاً ويعدوا بطاء ويتنوّعوا في ألاعيبهم الحماسية، جرياً ووقوفاً ودفاعاً وهجوماً إلى غير ذلك ممّا لا يدرك وصفه إلا بالرؤية والمعاينة. وقد كنت حين ذاك أعجب بشجاعة أولئك القوم ومهارتهم فوق ما كنت أعجب، وأعجب أيضاً من أبناء الأفراس الصغار الّتي كان عمرها في الغالب لا يزيد عن أسبوعين، ومع ذلك كنت أشاهدها تتبع أمّهاتها في تلك المسافات البعيدة على هذا السير الحثيث، وتتحمّل مشقّة السفر والجري. وقد أخذتني بها من أجل ذلك رأفة شديدة، فطلبت من أولئك الراكضين أن يخفّفوا السير ويتئدوا لكيلا يشقّوا على تلك المهرات المساكين، وهي في ذلك السن الصغير. ثمّ ما فتئوا يركضون على طول المسير ويلعبون بأعظم مهارة وأكبر حذق. وكان فيهم فارس كبير السن يلبس ملابس دندشية قديمة يسمى